الرابعة: في سورة المائدة وهي من آخر ما نزل وليس فيها شيء مخصوص إطلاقا، قال الله تعالى:{يأيها الذين ءامنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلم رجس من عمل الشيطن فاجتنبوه لعلكم تفلحون}[المائدة: ٩٠].
وانظر إلى التعليل لما أمر باجتنابه بين ما يترتب عليه وهو الفلاح، والفلاح كلمة جامعة لحصول المطلوب وزوال المكروه {إنما يريد الشيطن أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلوة فهل أنتم منتهون}[المائدة: ٩١].
ماذا قال الصحابة في جواب هذا الاستفهام؟ قالوا: انتهينا. هذا إذا جعلنا {فهل أنتم منتهون} استفهاما، أما إذا جعلناها أمرا يعني استفهاما بمعنى الأمر يكون المعنى: فانتهوا كقوله تعالى: {قل إنما يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد فهل أنتم مسلمون}[الأنبياء: ١٠٨]. أي: فأسلموا له.
على كل حال: الخمر محرمة بالإجماع، الخمر يمكن أن تتخلل إما بمعالجة، وإما بنفسها، إن تخللت بنفسها فهي حلال على قول جمهور العلماء حتى عند القائلين بأن النجاسة بالاستحالة لا تطهر، يرون أن الخمر إذا تخللت بنفسها فإنه تكون طاهرة، إن خللت بعلاج من فعل الآدمي بعد أن تخمرت فهذا خلاف بين العلماء؛ منهم من قال: إن كانت الخمر تخللت فلا بأس؛ لأننا لو حرمنا التخليل على الخلال لضاع له بذلك مال كثير فيباح له تخليلها للضرورة، أي: ضرورة الإبقاء على ماله. أتعرفون من الخلال؟ الذي يبيع الخل يصنعه ويبيعه، وإن كان غير حلال وهذا بعد أن صارت خمرا فإنها لا تحل، كذلك أيضا قال بعض العلماء: إن خللها من يحل له شربها في دينه فهي حلال لغيره ولو كان الغير لا يرى حلها في دينه، مثل أن يخللها يهودي أو نصراني فيجوز للمسلمين أن يشوبوها بالخل؛ لأن الذي خللها ممن يرى حلها في دينه، أما إذا خللت قبل أن تتخمر بأن أضيف إليها شيء حامض أو خل خالص قبل أن تتخمر؛ فهذا حلال بالإجماع ولا إشكال فيه، والسؤال - سؤال النبي صلى الله عليه وسلم عن الخمر بعد أن تخللت - تتخذ خمرا؟ قال: لا، أما إذا وضع فيها ما يمنع تخمرها فهذا لا بأس به باتفاق العلماء مثل أن يضع عليها شيئا حامضا يمنع تخللها لكن ما هي علامة الخمر؟ علامتها أنها إذا وصلت إلى حد معين بدأت تطيش وترتفع ويكون لها زبد حتى ربما يكون نصف الإناء يكون إلى قرب ملئ الإناء هذا هو علامة الخمر.