للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يجوز في «يمنع» وجهان: الوجه الأول: لا يمنع، والوجه الثاني: لا يمنع، فعلى الوجه الأول تكون «لا» نافية والفعل بعدها مرفوع؛ لأن «لا» النافية لا تغير الفعل، وعلى الوجه الثاني: تكون «لا» ناهية والفعل بعدها مجزوم.

فإن قال قائل: هي ناهية واضحة أن الرسول بنهى، لكن إذا كانت نافية.

فنقول: هذا النفي بمعنى النهي، ويأتي النفي بمعنى النهي تأكيداً، يعني: كأنه لا يمكن أن يمنع جار جاره، فيكون هذا أبلغ من النهي، ولهذا قال العلماء: قد يأتي الخبر بمعنى الأمر وقد يأتي النفي بمعنى النهي فقوله تعالى: {والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء} [البقرة: ٢٢٨] هذا خبر بمعنى الأمر، وهذا الحديث بمعنى الأمر، «لا يمنع جار جاره» نفي بمعنى النهي، قوله: «جار جاره أن يغرز خشبة في جداره» «خشبة» فهذا عام، وصيغة العموم أنه جمع مضاف، والجمع المضاف يفيد العموم، وعلى رواية الإفراد «خشبة» نقول: هو نكرة في سياق النهي فيكون عاماً أي خشبة تكون، على هذا فمؤدى اللفظين واحد.

قوله صلى الله عليه وسلم «لا يمنع جار جاره» المراد بالجار هنا: الجار الملاصق، لأن خشبة الجار لا توضع على الجدار إلا إذا كان الجار ملاصقاً، أما الجار الذي ليس بملاصق وإن كان له حق لكن لا يدخل في هذا الحديث.

وقوله صلى الله عليه وسلم: «أن يغرز خشبة» «يغرز» يعني: يغرس، يحفر لها حفرة ويضعها فيها، أو أن يضعها على ظهر الجدار، فالغرز هنا ليس بشرط، معنى الغرز: أن يفتح مكاناً للخشبة ويدخلها فيه ويضعها على ظهر الجدار واضح، وإذا كان الرسول نهى أن يمنع جار جاره من غرز الخشبة فنهيه عن منع جاره من وضع الخشبة على ظهر الجدار من باب أولى؛ لأن الغرز أشد

وقوله: «في جداره»: جدار الجار أو جدار المانع؟ جدار المانع؟ لأن جدار الجار الواضع لا يمكن أن ينهى عنه الرسول، لأنه ملكه، لكن الكلام على جدار المانع.

ففي هذا الحديث عدة فوائد: أولاً: بيان حقوق الجار، وأن للجار أن ينتفع بملك جاره بما لا ضرر عليه فيه، ومن ذلك وضع الخشبة وهل يلحق بوضع الخشبة ما يساويها؟

الجواب: نعم، وذلك لأن الخشبة إذا وضعها الجار على الجدار استفاد الجار الواضع والجار صاحب الجدار، كيف ذلك؟ أما صاحب الخشبة فاستفادته واضحة؛ لأنه بدلاً من أن يقيم أعمدة أو جداراً آخر ملاصقا لجدار جاره يضع هذه، وأما استفاده الجار صاحب الجدار فلأن وضع الخشب على الجدار تثبيت له وتقيه السيول، وهذا ينتفع به الجدار، لاسيما فيما سبق لما كان الجدار من الطين صار الانتفاع بذلك واضحاً، وهذا الحديث ظاهره يمنع صاحب

<<  <  ج: ص:  >  >>