للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

عشرةَ في أَصَحِّ الروايات، فلها رَكَعَاتٌ معدودة.

وقلنا: أما الفَرْقُ بين صلاة الليل والتهجُّد فكما ذكرتم، لكنَّ الوِتْرَ صلاةٌ مستقلة، مغايرة ذاتية، متميزة بوقتها، وقضائها، وركعاتها، وتعيين قراءتها. وإنَّما التبست في بادىء النَّظر لارتباطِهَا بصلاة الليل شَيْئَا. فَإِذَا تَقدَّمت وصُلِّيت بعد العشاء قبل النوم، كما كان أبو هريرة وبعضٌ آخَرون يَفعَلُه امتازت عن شاكلةِ صلاة الليل. وقد مرَّ أنها ليست للإيتار فقط، بل صارت صلاةً برأسها، وهو معنى قوله صلى الله عليه وسلّم «إن الله أمدكم بصلاة» ... إلخ فدلَّ على أن الوِتْر صلاةٌ مستقلة لا أنه للإيتار فقط.

وأما الأحاديث فلا ريبَ أنها وردت بالنَّحْوين: فحديثُ عائشة رضي الله عنها عند أبي داود وغيرِهِ: «كَان يُوْتِر بأربعٍ، وثلاثٍ» ... إلخ، يُبنى على نظر الحنفية، وفصل الوتر عن صلاة الليل. وحديث ابنِ عمرَ رضي الله عنه يُبنى على إطلاقِ صلاةِ الليل على المجموع. فعن ابن عمَر رضي الله عنه: أنَّ النبيَ صلى الله عليه وسلّم كان يُوْتِر على الدابة. أطلق فيه الوِتْر على صلاةِ الليل، ولا حَرَج، فإنَّ الوِتْر منها في الحِسِّ. وفي بعض الملاحظات. وروى الطحاوي عنه مرفوعًا: «أنه صلى الله عليه وسلّم كان يَنْزلُ له». فلعلَّه أرادَ به الوِتْر من صلاةِ الليل. فروايته الأولى تُبْنَى على إطلاقِ الوِتْر على مجموع صلاة الليل. والثانية على فَصْله منها فلا تعارض. وقد أشكل عليهم الْجَمْعُ بينهما، فحمله الشافعيةُ على مذهبهم، وحمله الطحاويُّ على أنَّ الوِتْر على الدابة كان فيما كان فيه توسيعًا، فإذا عزم الأَمْر وتحتم الوِتْر نزل لها صلى الله عليه وسلّم والمختار عندي ما سمعتَ آنفًا.

ثُم إنَّ هذه من أنظار الرواة واعتباراتهم لا يُعقد منها شيءٌ ولا ينقض، ولا يصاغ منها أمرٌ ولا يكسر. والقومُ قد بَثُّوا مسائلهم على تعبيراتِهم فقط، فوقعوا في حيرة. والأمر ما حَقَّقْناه في مَوْضعه فتذكره. وما يُعْلَم من صنيع الأئمة أَنَّهما صلاتانِ متغايرتان عندهم كالبخاري. فإنَّه بَوَّبَ للوِتْر، ثُمَّ بَوَّب للتهجد وصلاة الليل. فهذا يدلُّ على أنهما صلاتان عنده. وهكذا صنيعُ غيرهِ. ثم إنَّ الشافعية إذا دخلوا في باب الوتر قالوا: إن الوِتْر ثلاثٌ بالتسليمتين، وكتبوا في آخِر بابه أنه يجوزُ بركعةٍ أيضًا. فاختاروا للعَمل الصورةَ الأُولى فقط، وإذا نزلوا على الجائزات وَسَّعوا بركعةٍ وغيرها. فَعُلِم أن الخلافَ بِحَسَب العمل قليلٌ، وإنما يظهَرُ الجدلُ عند بيانِ الصور الجائزة.

قوله: ({وَمِنَ الَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ}) [الإسراء: ٧٩] واختُلِفَ في تفسيرِ النافلة، فقيل: فريضة زائدة لك، خُصِّصْتَ بها من بين أمتك. ثُمَّ ادَّعى النوويُّ رحمه الله تعالى أنه نُسِخ عنه أيضًا. وقيل: عبادة زائدة في فرائضك، وقيل: زائدة لك خاصَّة وليست كفَّارةً بخلافِ أُمَّتِك، لكونك لا ذَنْبَ عليك.

أقول: إنَّ النَّفْل ههنا على صرافة اللغة، لا ما في الفِقْه بالمعنى المقابل للفَرْض، فإنَّه وُضِع له لَفْظُ التطوُّع الدال على كونه من طَوَع العبد بدون إيجابٍ من الله تعالى، أو إعطاء من عنده، بخلاف النَّفْل فإنه يكون من جهةِ النافل بمعنى إعطاءِ الزيادة من جانبه، ومنه نَفَّل الغنيمةَ. فالسَّهم هو الحِصةُ المعيَّنةُ، وما يزيدُهُ الإمام من جانبه لأحد يقال له النَّفْل، لأنه إعطاءٌ منه زائدًا على حِصته، وفَضْلُ منه، فالنَّفل صِفةُ النافل، والتطوع من جانب العبد، فقال: {نَافِلَةً لَّكَ}

<<  <  ج: ص:  >  >>