للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ومن ههنا فأدرك السِّر في اختلافهم في إقامة الجُمعات في القرى مع كونها من متواترات الدين. وذلك لأنَّ الأمراء إذ ذاك كانوا في الأمصار وكان الناس مجتهدين في العمل فكانوا يصلونها مع الأمراء ولا يتخلفون عنها، فلما ظهر التواني في الأحكام ولم يرغب الناس في أدائها في الأمصار وجلسوا في قراهم ظهر الخلاف: فذهب ذاهبٌ إلى أن عدمَ أداءِ السَّلف في القرى كان مبينًا على نفيها في القرى، وذهب آخرون إلى أن ذَهابهم إلى الأمصار كان لحوائجهم على عادة أهل البوادي وإن كانت الجمعةُ جائزةً بقراهم أيضًا، وهما نظران للأئمة رحمهم الله تعالى.

وأما ما رُوي عن أنس رضي الله تعالى عنه: «إنه كان يُجمِّع وقد لا يُجَمِّع فمعناه أنه كان يُجمِّع حين ورد البصرة، وإذا أقام بقريةٍ لا يُجمِّع، وهذا عين ما قلنا لا أنه كان يُجمِّع، وهو في قرية. وأما ما يأتي من أثر عطاء عند البخاري رحمه الله تعالى قال: «إذا كنتَ في قريةٍ جامعةٍ ونُودي بالصلاة من يوم الجُمعةِ، فَحقٌّ عليك أَن تَشْهَدَها سمعتَ النِّداء أو لم تَسْمَعْه». فهو صريحٌ لمذهبنا لأنَّه نُقِلَ فيه الحافظ رحمه الله تعالى زيادةً عن عبد الرَّزَّاق، وفيه: قلت لعطاء: «ما القريةُ الجامِعة؟ قال: ذاتُ الجماعة، والأمير، والقاضي والدُّور المجتمعة، الآخذُ بَعْضُها ببعضٍ مِثْل جدة (١). اهـ. وهذا يدل أن اصطلاح الجامعة قد كان فشا فيهم، ولذا قلت: إنهم بصددِ حَدِّ المِصْر الجامع (٢).

١٢ - باب هَلْ عَلَى مَنْ لَمْ يَشْهَدِ الْجُمُعَةَ غُسْلٌ مِنَ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ وَغَيْرِهِمْ

وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ إِنَّمَا الْغُسْلُ عَلَى مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ.

٨٩٤ - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِىِّ قَالَ حَدَّثَنِى سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ - رضى الله عنهما - يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ «مَنْ جَاءَ مِنْكُمُ الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ». طرفاه ٨٧٧، ٩١٩ - تحفة ٦٨٤٨

٨٩٥ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ - رضى الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ «غُسْلُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ». أطرافه ٨٥٨، ٨٧٩، ٨٨٠، ٢٦٦٥ - تحفة ٤١٦١


(١) يقول العبد الضعيف: وما أقربَ هذا إلى ما نُقِل عن إِمامنا رحمه الله تعالى اهـ.
(٢) يقول العبد الضعيف: قال الشيخ ابن الهمام رحمه الله تعالى: والقاطع للشغب أن قوله تعالى: {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: ٩] ليس على إِطلاقه اتفاقًا بين الأُمَّة، إِذ لا يجوز إقامتها في البراري إجماعًا، ولا في كل قرية عنده، بل
بِشرط أن لا يَظْعن أهلُها عنها صيفًا ولا شتاء، فكان خصوص المكان مرادًا فيها إجماعًا، فَقَدَّر القرية الخاصَّة،
وقدَّرنا المِصْر، وهو أَولى لحديث عليِّ رضي الله عنه، ولهذا لم يُنقل عن الصحابة رضي الله عنهم حين فتحوا البلاد
أنهم اشتغلوا بِنَصْب المنابر والجمع إلا في الأمصار دون القرى، ولو كان لنُقِل ولو آحادًا. اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>