والعبرةُ في العدالة أَنْ يكون ذا خِصال شريفةٍ، ومروءةٍ فَحَسْب، فإِنه لو شُدِّد فيها لأنسَدَّ على النَّاس طريقُ فَصْلِ خصوماتهم، فإِنه يَعِزُّ وجودُ الجامعِ بين أَوصاف العدالة.
٢٦٤١ - قوله:(وإنَّ الوَحْي قد انقطع، وإنَّما نأخُذُكم الآنَ بما ظَهر لنا مِن أعمالِكُم) دلَّ على أن القَطْع هو الوَحْي فقط. وما قال بعضُ العلماءِ: إنَّ الكَثْفَ أيضًا قَطْعِيُّ، فليس بصحيح. وأما ما يُظَنَّ من التخليط في بعض أخبار الوحي. فباطلٌ، لأنه لا تخليط فيه أصلا. وهي صِدْقٌ كُلّها، وإنما يَحْدُثُ التخليطُ في النَّقل، والطريق، فيحدُث ما يحدث من جهته، ولم يُوَفِّق لهذا الفَرْقِ مسيلمة الفنجاب فَحَمَلها على صاحب الوَحْي - ما أَكْفَرَه - فَجوَّز الغَلَط في وحي الأنبياء عليهم السلام أيضًا، وجعل يتمسَّك بالاغلاطِ التي وقَعت من تلقاء الرُّواةِ.
*هم نقلوا عني الذي لم آفهْ به ... وما آفةُ الأخبار إلَّا رُواتُها
ولم ينظر أنَّ النَّاسَ مع عِلْمهم وشَرَفِهم قد يَغْلَطُون اليوم أيضًا في نَقْل الأشياء كثيرًا؛ فما الاستبعادُ إنْ وقعت الأغلاطُ في نقل الرواياتِ عن النَّقلةِ الأَثْبات، ثم الجاهلُ قد يتضرَّرُ به من طَرَفٍ آخر، فَيَزْعمُ أن الأغلاط إذا وقَعت عن الرُّواةِ ارتفع الآمانُ عن الدِّين، ولم يَدْر أنَّ الله تعالى خلق له رجالا يُميِّزون المُخيضَ عن الرغوة، فيجمعون الطُّرُقَ، وينظرونَ في الأسانيد، ويبحثون عن العِلل:{فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ}[الرعد: ١٧] ونعوذ بالله من الزَّايْغ والإِلحادِ، وسوء الفَهْم، وفَرْط الوَهم.