النَّوويَّ قد أَقَرَّ أَنَّ هذه الواقعة قُبَيل بدر، فثبت أَنَّ النَّسْخَ في الكلام ثابتٌ عند الكلِّ وإنِّما الاختلاف في تاريخه، وعلى هذا فالاعتذار به في حديث ذي اليدين ليس لِنَفْع المذهب فقط بل هو أمرٌ ثابتٌ عند الكل، أما أَنَّه متى هو فهو أمرٌ مختلفٌ فيه.
قوله: (فَثَنَى رِجْلَه وَسَجَد سجدتين) فإنْ قلتَ: إذا كانت تلك عند جَواز الكلام في الصَّلاة فَلِمَ سَجَدَ فيها للسهو؟
قلت: لتخلل ما ليس مِنْ أجزاءِ الصَّلاةِ في الصَّلاة. وهذا بابٌ جديد لم يَذْكُره العلماء، ولعلَّ المسألةَ إذ ذاكَ عدمُ فسادِ الصَّلاة بهذه الأشياء وكفاية سجود السَّهْو عنها.
واعلم أَنَّ الرواة اختلفوا في ذِكْرِ سَجْدَتي السهو في واقعة ذي اليدين، فبعضُهم أثبتهما، والبَعْضُ الآخر نفاهما، وهذا الخِلافُ عندي راجعٌ إلى الاجْتِهَادِ لا في نَقْلِ الواقع، فَمَنْ نَظَرَ إلى سُوءِ الترتيبِ، وَفَكَّ الرَّبْط بين أَجْزَاءِ الصَّلاةِ، زَعَم أنَّه سجد للسهو جبرًا لهذا النقصان. ومن نفاهما رأى أنَّ الواقعةَ قَبْلَ النَّسْخ، والكلام جائز فلا حاجة إلى سجود السهو.
والحاصل: أَنَّه لم يَكُن عند الفَرِيقين نَقْلٌ خصوصي اعتمدوا عليه، ولكنَّهم إذا سَرَدوا القِصَّة ذَكَرُوا السُّجُود أو نفوها حسب ما أدى إليه اجتهادهم، وهذا هو وجه اختلافهم في ذِكْرِهَا وحَذْفها عندي، والله الملهم للصواب (١).
٣٣ - باب حَكِّ الْبُزَاقِ بِالْيَدِ مِنَ الْمَسْجِدِ
٤٠٥ - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ قَالَ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - رَأَى نُخَامَةً فِى الْقِبْلَةِ، فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ حَتَّى رُئِىَ فِى وَجْهِهِ، فَقَامَ فَحَكَّهُ بِيَدِهِ فَقَالَ «إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا قَامَ فِى صَلَاتِهِ، فَإِنَّهُ يُنَاجِى رَبَّهُ - أَوْ إِنَّ رَبَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ - فَلَا يَبْزُقَنَّ أَحَدُكُمْ قِبَلَ قِبْلَتِهِ، وَلَكِنْ عَنْ يَسَارِهِ، أَوْ تَحْتَ قَدَمَيْهِ». ثُمَّ أَخَذَ طَرَفَ رِدَائِهِ فَبَصَقَ فِيهِ، ثُمَّ رَدَّ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ، فَقَالَ «أَوْ يَفْعَلْ هَكَذَا». أطرافه ٢٤١، ٤١٢، ٤١٣، ٤١٧، ٥٣١، ٥٣٢، ٨٢٢، ١٢١٤ - تحفة ٥٨٢
٤٠٦ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ. أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - رَأَى بُصَاقًا فِى جِدَارِ الْقِبْلَةِ فَحَكَّهُ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ «إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ يُصَلِّى، فَلَا يَبْصُقْ قِبَلَ وَجْهِهِ، فَإِنَّ اللَّهَ قِبَلَ وَجْهِهِ إِذَا صَلَّى». أطرافه فى ٧٥٣، ١٢١٣، ٦١١١ - تحفة ٨٣٦٦
٤٠٧ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ
(١) قلتُ: وهذا نَظِيرُ اختلافهم في رَدِّ زَينب رضي الله عنها على زَوْجِهَا أبي العاص. قال بعضهم: إنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - رَدَّها بالنَّكاح الأول. وقال آخرون: بالنكاح الجديد. وسئل عنه محمَّد رحمه الله تعالى أترى كلَّ واحدٍ منهما سَمِعَ عن النَّبي - صلى الله عليه وسلم -؟ فقال: لا بل إنَّما جاء هذا مِنْ قِبَلِ اجتهادهم، فَذَكَر كلٌ حَسَب ما آدَّى إليه اجتهاده، وَفَصَّلَه الطَّحَاوي في باب فراجعه.