للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[تحقيق ما يستفاد من ترديد القرآن في صلاة الليل في سورة الزمل]

واعلم أن هذه الآيةَ جَعَلت الثُّلُثَ الأوَّل للعشاء خاصةً، والثُّلُبَ الآخِر لصلاةِ الليل خاصةً. ثُمَّ جعَلَت السُّدُسَ الأَوْسَطَ صالحًا لهما (١). فإن صَلَّى فيه العشاء صار النِّصفُ لها، وإن صَلَّى فيه صلاةَ الليل صار الثُّلُثَانِ لها. ثُمَّ جَعَلَتْ النِّصْفَ دعامةً في هذا التقسيم، أي ينبغي لك يا محمدُ أن يكونَ النِّصْفُ بِمَرأَى عَيْنَيك حتى تَقْسِمَ ليلَك بين العِشَاءِ وصلاةِ الليل بِحَسَبه. ولذا قال الفقهاء: إنَّ تأخيرَ العِشَاء بعد النِّصْف مَكْروهٌ تنزيهًا أو تحريمًا على القولين. والمختارُ عندي الأوَّل، كما هو عند الطَّحَاوي. فإن زِدْت عليه شيئًا فلك فيه خيرٌ، وإن انتقَصْت منه فلا بأسَ عليك. فأنت في الصُّوَرَ كُلِّها على خِيَرة بعد أن يكون النِّصْفُ ملحوظًا في ذِهْنِك، ولذا جاء التعبيرُ في النَّصِّ كما رأيتَ مردِّدًا (٢).


(١) قلت: وهذا هو تحقيقُ الشيخ رحمه الله تعالى في مسألة المواقيت: فإن المِثل الأوَّل مُخْتصٌّ بالظُّهر، والثالث بالعَصْر، والثاني صالِحٌ لهما. وقد تقدَّم بيانُه.
(٢) يقول العبدُ الضعيف: وتفصيله على ما أتذكر وأفهم والله تعالى أعلم أن المأمورَ به في صَدْر المُزمل هو القيامُ مطلقًا، لم تُذْكر له صورةٌ وتفصيل، وهو قوله تعالى: {قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (٢)} [المزمل: ٢]، ثم فَصَّله إلى النِّصفِ وغيرِه، وهو مُؤدَّى البَدَل. فإِن قلت: إن المتبادر مِن قوله: {قُمِ اللَّيْلَ} استيعابه. قلت: معناه عندي: قُم في الليل، فَعَدَّى الفِعْل بواسطة حَرْفِ الجَرِّ فلا يقتضي الاستيعابَ، كما ذَكر الفقهاءُ الفَرْق بين قوله: أنتِ طالقٌ في غدٍ، وأَنْتِ طالقٌ غدًا، من حيثُ إِن الأوَّل لا يقتضي الاستيعابَ فيكون الغَدُ ظرفًا، والثاني يقتضي ذلك، فيكونُ مِعْيارًا. فتصح نيةُ آخر النهار في الصورة الأولى دون الثانية. وهذا هو المختار عندي وإن ذهب النحاةُ إلى عَدَمِ الفَرْق بين الصُّورتين. فإِن قلت: إذا استثنى القليل من الليل بقي أكثرُه مأمورًا بالقيامِ به على كلِ حال، سواءٌ ذهبْتَ مذهبَ النحاة أو الفقهاء، ولم تظهر لتقدير "في" قلت: بل استثناءُ القليل على معنى: أنك أيها المزمِّل إن اجتهدت في القيام، فذهبت به إلى الليلِ أَكْثَرِه، فحِصَّةٌ قليلةٌ منه لا بد عليك أن تَتْرُكها. فالمقصود هو المستثنى.
ولا تُصغ إلى ما قيل: إن الاستثناءَ لا يكون مقصودًا، فإِن الواقع أولى بالاتباع. وإِذَن المطلوبُ استثناءُ القليلِ والتخييرُ فيما بقي. فإِن شِئتَ أن تقومَ به قُمت، وإنْ أرَدْت أن تَتْركَ بَعْضَه تَرَكْت.
والحاصل: أن المأمورَ به في أوَّل المُزمِّل شيءٌ يصِحُّ أن يَنْقَسِم إلى ثلاثِ صور - وهو بعض الليل: فإما أَنْ تجعلَه نِصْفًا فتصلِّي فيه صلاةَ الليل وحينئذٍ يَبْقَى النِّصْفُ الآخَرُ للعشاء، أو تَنْقُصَ منه قليلًا، وتتدرج فيه حتى تجعلَ صلاةَ ليلِكَ فى الثلثِ الآخِر، أو تزيدَ على النصْفِ فتجعلَ الثُّلُثين لصلاةِ الليلِ على هذا النَّحْو فأَنْتَ على خِيرَةٍ من ذلك كُله. وليس المراد من قوله: {أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا} [المزمل: ٣] الثلث، ومن قوله: {أَوْ زِدْ عَلَيْهِ} الثلثان ضربة واحدة بل القِلَّة تتدرجُ شيئًا فشيئًا، حتى يكونَ المَحَط الثلثَ، أو الثلثين، فيستقِر الأوَّل على الثلث والثاني على الثلثين ولذا لم يعبر بالثلث فيها أو الثلثين من أول الأمر فإن الأوساط من النصف إلى الثلث والثلثين كثيرة يتدرجُ إليها المصَلِّي حَسَب إرادته، ويجعل صلاةَ ليلة في أيها شاء. وكذلك المرادُ من قوله: {إِلَّا قَلِيلًا} هو الثلث على هذا الطريق، وهو وَقتُ العشاء. ومِن ههنا يَجعَله الرواةُ وقتا للعشاء، فيذكرون لها الثلث في أكثر الرواياتِ، لكونه متعينًا من النص وَقتا للعِشاءِ. وهو وَقتها المستحبُّ.
ثم لَزم من التقسيم أَن يبقى لها مِن الثلثِ الأوسطِ سدسًا أَيضًا، فيصير لها النصف. وإذ قد علمت أَن المقصودَ من صدر المزمل استثناء القليل على كل حال، علمتَ أن حَق العِشاء في نَظَر الشارع هو الثلث، ولذا استثناه مِن الليل ولم يَرض أن تكونَ صلاة لَيلِه فيه. وإن أراد الاجتهادَ فإِن وقتها بعد وقتِ العشاء، واستثنى القليل من اللَّيل =

<<  <  ج: ص:  >  >>