للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

زَمْزَمَ، وَهُمْ يَسْقُونَ وَيَعْمَلُونَ فِيهَا، فَقَالَ «اعْمَلُوا، فَإِنَّكُمْ عَلَى عَمَلٍ صَالِحٍ - ثُمَّ قَالَ - لَوْلَا أَنْ تُغْلَبُوا لَنَزَلْتُ حَتَّى أَضَعَ الْحَبْلَ عَلَى هَذِهِ». - يَعْنِى عَاتِقَهُ - وَأَشَارَ إِلَى عَاتِقِهِ. تحفة ٦٠٥٧

واعلم أنَّ خدمات الحج كانت موزعةً عليهم في الجاهلية (١)، فكان مِفتاحُ البيت في بني شَيْبَة، وهو إلى اليوم كذلك، وكانت السِّقايَة في بني عبد المطلب، فلما ظهرَ الإِسلامَ وانطمست رسوم الجاهلية، تكفَّل بها العباس، وإن كانت حقًا لبني عبد المطلب في الجاهلية، فقام بها مدةَ عُمُرِه، ولذا كان يتعجَّلُ في أيام منى، فكان كذلك إلى زمن عليَ، فلما استُخلِفَ عليٌّ ادّعى السِّقَاية، وكان أحقَّ بها لكونه مُطَّلِبِيَّا، غير أن ابن عباس لما شهد بأنها كانت انتقلت إلى أبيه العباس، تركها في أيديهم، ولم ينازعهم.

ثم إن بني أميةَ بَنوا في زمنهم حوضًا آخر، وكانوا يجعلونَ فيه لبنًا وعسلا، طمعًا في أن يردَ الناسُ حوضهم، وتكون السِّقَاية لهم، غير أن الناس لزموا حوض ابن عباس، وآثرُوه على اللبن والعسل.

٧٦ - باب مَا جَاءَ فِى زَمْزَمَ

١٦٣٦ - وَقَالَ عَبْدَانُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنِ الزُّهْرِىِّ قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ كَانَ أَبُو ذَرٍّ - رضى الله عنه - يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ «فُرِجَ سَقْفِى وَأَنَا بِمَكَّةَ، فَنَزَلَ جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَفَرَجَ صَدْرِى، ثُمَّ غَسَلَهُ بِمَاءِ زَمْزَمَ، ثُمَّ جَاءَ بِطَسْتٍ مِنْ


(١) أخرج أبو عبيد في "كتاب الأموال" من لفظ خطبة النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ألا إن كل دم ومال، ومأثرةٍ كانت في الجاهلية، فهي تحت قدمي، إلا سَدَانة البيت، وسِقَاية الحاج". قال أبو عبيد: السَدَانة خدمة البيت. قال المحشي على كتاب "الأموال": قال ابن هشام: كان قُصي -أول كعب بن لُؤي- أصاب مِلكًا أطاع له به قومُه، فكانت إليه حِجَابة البيت، والسِّقَاية، والرِّفَادة، والندوة، واللواء، فلما كبر ودقَّ عظمُه، وكان عبد الدار يكرهه، وكان عبد مناف قد شَرُفَ في زمان أبيه، وذهب كل مذهب، وعبد العزى، وعبد، فقال قُصي لعبد الدار: أما والله لأُلحِقنَّكَ بالقوم، وإن كانوا قد شَرُفُوا عليك، لا يدخل رجل منهم الكعبةَ حتى تكون أنت تفتحُها له، ولا يَعقِدَ لقريش لواءٌ لحرسها إلا أنت بيدك، ولا يَشْربُ أحدٌ بمكة إلا من سِقَايتك، ولا يأكلُ أحدٌ من أهل الموسم طعامًا إلا من طعامك، ولا تَقطعُ قريشٌ أمرًا من أمرها إلّا في دارك، فأعطاه دارَ الندوة، والحِجَابة، واللواء، والسِّقَاية، والرِّفَادة. وكانت الرِّفادة خَرْجًا تُخرِجُه قريش في كل موسم من أموالها إلى قُصي، فيصنَع به طعامًا للحج، فيأكله من لم يكن له سَعة ولا زاد.
ثم هلكَ قُصي، ثم إن بني عبد مناف أجمعوا وحلفاؤهم أن يأخذوا ما بأيدي بني عبد الدار مما كان قُصي جعل إلى أبيهم، فبينا الناسُ قد أجمعوا للحرب إذ تَدَاعَوا إلى الصلح، على أن يُعطوا بني عبد مَنَاف السِّقَاية والرِّفَادة، وأن تكون الحِجَابة، واللواء، والندوة لبني عبد الدار، كما كانت، ففعلوا، ورضي كل واحد من الفريقين بذلك. فلم يزالوا على ذلك حتى جاء الله بالإِسلام، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما كان من حِلف في الجاهلية، فإنَّ الإِسلام لم يَزِده إلا شدةً" اهـ. باختصار ثم كانت السِّقاية يوم الفتح بيد العباس بن عبد المطلب، والسِّدَانة بيد عثمان بن طلحة، فتطاول رجال من بني هاشم لأخذ المفتاح، فردَّهُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى عثمان بن طلحة، وقال: "خذوها خالدةً تالدةً، لا ينزِعُها منكم إلا ظالمٌ". انتهى.

<<  <  ج: ص:  >  >>