للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الاختلاف في تحقيق حقيقة الإيمان، أنها التصديق فقط أو المجموع، على حد نزاعهم في مُسمّى الصلاة أنها اسم للمجموع من الأركان إلى الآداب، أو اسم للأركان فقط؟ وسيأتي عن قريب.

ذِكْرُ الزِّيادَةِ والنُّقْصَان

واعلم أن نفي الزيادة والنقصان وإن اشتهر عن الإمام الأعظم، لكني متردد فيه بعد. وذلك لأني لم أجد عليه نقلًا صحيحًا صريحًا، وأما مانسب إليه في «الفقه الأكبر» فالمحدِّثون على أنه ليس من تصنيفه. بل من تصنيف تلميذه أبي مطيع البلخِي، وقد تكلم فيه الذهبي، وقال: أنه جَهْمِيٌّ. أقول: ليس كما قال، ولكنه ليس بحجةٍ في باب الحديث، لكونه غير ناقد. وقد رأيت عدة نُسخ للفقه الأكبر فوجدتُها كلها متغايرة. وهكذا «كتاب العالم والمتعلم» «والوسيطين» الصغير والكبير، كلها منسوبة إلى الإمام، لكن الصواب أنها ليست للإمام.

أما الحافظ ابن تيمية رحمه الله تعالى فإنه وإن نسب الزيادة والنقصان إلى إمامنا رحمه الله تعالى، لكنّ في طبعه سَوْرَةٌ وحِدَّة، فإذا عَطَفَ إلى جانب عَطَفَ ولا يبالى، وإذا تصدى إلى أحد تصدى ولا يُحاشي، ولا يُؤمَنُ مثله من الإفراط والتفريط، فالتردد في نقله لهذا، وإن كان حافظًا متبحرًا. ونقل في «شرح عقيدة الطحاوي» بسند أبي مطيع البَلْخي عن النبي صلى الله عليه وسلّم ما معناه: أن الإيمان لا يزيد ولا ينقص. قال ابن كثير: وفي إسناده كلهم مجروحون. ورأيتُ هذا الحديث في «الميزان» في ترجمة البَلخي، فأسقطه الذهبي. ثم رأيت في «طبقات الحنفية» تحت ترجمة: إبراهيم بن يوسف تلميذ أبي يوسف، وأحمد بن عمران، أنهما كانا يقولان: بزيادة الإيمان ونقصانه، مع كونهما من كبار الحنفية. فهذا أيضًا كان يَرِيبُني.

ولما انعدمت النقول الصحيحة عن الإمام رضي الله تعالى عنه كِدْت أن أنفي عنه تلك النسبة، غير أني رأيت أن أبا عمرو المالكي نسبه في «شرح الموطأ» إلى شيخ إمامنا حَمّاد، وهو من المتقنين المتثبتين في باب النقل، فلا مناص من تسليم تلك النسبة أما المحدثون فكلهم إلى أن الإيمانَ يزيد وينقص. وأثبت شيء في هذا الباب عقيدة الطحاوي، فإنه كتب في أوله أنه يكتبُ فيه عقائد الإمام أبي حنيفة رحمه الله تعالى وأبي يوسف رحمه الله تعالى. وأحسن شروحه شرح القُونوي، وهو حنفي المذهب، تلميذ ابن كثير. ويُستفاد منه أن الإمام رحمه الله تعالى إنما نفى الزيادة والنقصان في مرتبة محفوظة، كما سيأتي ولم ينفي مطلقًا، وكيف ما كان سلمت القول المذكور.

فنقول: إنّ الزيادةَ والنقصان في الإيمان يحتمل أربعةَ معانٍ:

الأول: الزيادة والنقصان في نفس الإيمان.

والثاني: الزيادة والنقصان في الإيمان باعتبار التصديق.

والثالث: الزيادة والنقصان في التصديق، باعتبار انبساطه وانفساحه في الصدر، لا باعتبار الحقيقة، فالانفساح والانشراح غير التصديق.

<<  <  ج: ص:  >  >>