أما الزرعُ والثمارُ ففيهما أيضًا نصابٌ عند الثلاثة، وأما عند الإِمام أبي حنيفة ففي قليلها وكثيرها العُشر، وهو ظاهر القرآن. كما علمته من قبل، وأقر به ابن العربي. وبذلك عملَ الخليفة العَدْل عمر بن عبد العزير، فكتب إلى عُمَّاله أن يأخذوا العشر من كل قليل وكثير، كما أخرجه الزيلعي، فدل على أنه جرى به التعامل. وهو مذهب مجاهد، والزهري، وإبراهيم النَّخَعي، كما في «فتح القدير» أيضًا.
وأما قوله صلى الله عليه وسلّم «ما أخرجته الأرض ففيه العشر» فهو للإِمام أبي حنيفة خاصة، لا يشاركه فيه أحد. فإذا شهدَ لنا ظاهر القرآن، والحديثُ الصريح، وتعامل السلف، لم يبق ريبٌ في ترجيح مذهبنا.
أما وجه قوله صلى الله عليه وسلّم في حديث أبي سعيد:«ليس فيما دون خمسةِ أوسقٍ صدقة» فهو عندي محمولٌ على العَرِيّة، كما سنفصله.
قال ابن الهمام: تعارض فيه العام والخاص في مِقْدَار خمسة أوْسق، ولا ريب أن الاحتياط بالإِيجاب، فقلنا به. وقال صاحب «الهداية»: إن الحديث ورد في زكاة التجارة دون العشر، وذلك لأنهم كانوا يتبايعون بالأوْسَاق، وقيمةُ الوَسْق يومئذ كانت أربعين درهمًا، فيكون قيمة خمسة أوسق مئتي درهم، وهو نصاب الزكاة. وحاصله أنهم نقلوا حديثَ التجارة إلى باب آخر، فَحدَثَ التعارض، مع أن الحديث العام كان في العشر، وذلك في زكاة التجارة، فلا تعارض أصلا.
وقال الشيخ بدر الدين العيني في «شرح البخاري»: إن المراد من الصدقة، الصدقاتُ المتفرقة، وهي من الحقوق المنتشرة التي قد تجبُ في الأموال سوى الزكاة، فالحديث عنده ليس من باب العُشر. كما حمل عليه الجمهور، ولا من باب الزكاة، كما قال به صاحب «الهداية»، بل من باب الحقوقِ المنتشرة. وحاصله أن تلك الحقوق لا تؤخذُ ممن كان عنده هذا المقدار.
قلتُ: ويرد على هذه الأجوبة كُلِّها ما عند الطحاوي ص ٢١٥ - ج١:«ما سقت السماء، أو كان سَيْحًا، أو بَعْلا ففيه العُشر إذا بلغ خمسة أوْسق» ... الحديث؛ وإسناده قوي. وفيه سليمان بن داود، وليس بابن أرقم الذي هو ضعيف، بل هو رجل آخر صَرَّح به أبو بكر بن