أُصَلِّى لِقَوْمِى بَنِى سَالِمٍ، فَأَتَيْتُ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقُلْتُ إِنِّى أَنْكَرْتُ بَصَرِى، وَإِنَّ السُّيُولَ تَحُولُ بَيْنِى وَبَيْنَ مَسْجِدِ قَوْمِى، فَلَوَدِدْتُ أَنَّكَ جِئْتَ فَصَلَّيْتَ فِى بَيْتِى مَكَانًا، حَتَّى أَتَّخِذَهُ مَسْجِدًا فَقَالَ «أَفْعَلُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ». فَغَدَا عَلَىَّ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَبُو بَكْرٍ مَعَهُ بَعْدَ مَا اشْتَدَّ النَّهَارُ، فَاسْتَأْذَنَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - فَأَذِنْتُ لَهُ، فَلَمْ يَجْلِسْ حَتَّى قَالَ «أَيْنَ تُحِبُّ أَنْ أُصَلِّىَ مِنْ بَيْتِكَ». فَأَشَارَ إِلَيْهِ مِنَ الْمَكَانِ الَّذِى أَحَبَّ أَنْ يُصَلِّىَ فِيهِ، فَقَامَ فَصَفَفْنَا خَلْفَهُ ثُمَّ سَلَّمَ، وَسَلَّمْنَا حِينَ سَلَّمَ. أطرافه ٤٢٤، ٤٢٥، ٦٦٧، ٦٨٦، ٨٣٨، ١١٨٦، ٤٠٠٩، ٤٠١٠، ٥٤٠١، ٦٤٢٣، ٦٩٣٨ - تحفة ٩٧٥٠
فيه تعريضٌ إلى مالك رحمه الله تعالى، فإنه يقول بردِّ السلام على الإِمام أيضًا، كما عَلِمْتَ آنفًا. وعند الجمهور: سلامُ الإمام في النية فقط، فإن كان في جهته يَنْوِيه فيها، وإِلا ففيهما. وراجع الفقه.
بوَّبَ الآن على الأذكار بعد الصلاة، كما كان بوَّب أولا على الأدعية في خلال الصلاة. واعلم أن الأدعيةَ على نحوين: نحو ثَبَتَ دُبُر الصلوات قُبَيْل السُّنة، ونحو آخر ثَبَتَ في الأوقات المُنْتَشِرَة. والمصنِّفُ رحمه الله تعالى بصدد بيان النحو الأول. وصورةُ العمل بها: أن يأتي بها بدلا، ومن أراد الجمعَ، فقد خَالَف السُّنة. ومع هذا، لو فعله أحدٌ لا يَمْنَعُ لِمَا مرَّ أن العبادات ممَّا يتعسَّرُ عنها، فكيف بالذكر فإنه أفضلها. ولذا لا يتقيَّدُ بوقتٍ دون وقتٍ، بخلاف سائر العبادات، فإن لها وقتًا.
فيقول تارةً:«اللهم أنت السلام ... » إلخ، كما عند الترمذيِّ. وتارةً:«اللهم أعنِّي على ذكرك ... » إلخ، كما عند أبي داود. وأخرى كلمة التوحيد، كما عند البخاري. وهذا هو مَرَضِيُّ الشارع: أن يُؤْتَى بها حينًا كذا، وحينًا كذا لا أن يَجْمَعَ بينها. ولذا أقول: إن السُّنة في جواب الحَيْعَلَة: أمَّا الحَيْعَلة، أو الحَوْقَلة، دون الجمع. وقد مرَّ مِنَّا التنبيه عليه في باب الأذان. نعم الأدعية التي وردت في الأوقات المنتشرة، الأمر فيها إليكَ، أتيتَ بها كيف شِئْتَ. ثم إن هذا الموضوع قد صار مُفْرَزًا بالتصنيف، فصنَّف النوويُّ رحمه الله تعالى كتاب «الأذكار»، وابن السُّنِّي «عمل اليوم والليلة»، «والأمالي للحافظ بن حَجَر رحمه الله تعالى. فإنه عَقَد أربعةً وثمانين مَجْلِسًا لإملائه بمصر، ثم انْدَرَسَتْ تلك المجالس بعده حتى جاء السيوطي رحمه الله تعالى، وشرع الإملاء، ثم انْقَطَعَتْ بعده بالكليِّة. وكذا صنَّف الجَزَرِي فيها «الحصن الحصين».