للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

التصرُّفُ فيما إذا كان بحضرته أيضًا. فإن الاحتمالَ لا ينقطع إلا إذا كَالَهُ هو بنفسه، بل لا ينقطع إذ ذاك أيضًا، فلا مُعْتَبَرَ به. فالذي يتبيّن أن المشتري إن اعتمد على كَيْلِ البائع، جاز له أكله بدون إعادة الكَيْلِ، سواء كان بحضرته، أو بِغَيْبَتِهِ.

أما قوله صلى الله عليه وسلّم «نهى عن بيع الطعام حتى يجري فيه الصَّاعَان: صاعُ البائع، وصاعُ المشتري»، رواه ابن ماجه، فقد حمله صاحب «الهداية» على تعدُّد الصَّفْقَتَيْنِ، وإن كان المُتَبَادَرُ منه أن يكونَ الصاعان فيه في صفقةٍ واحدةٍ. وتقريرُه: أن رجلا إذا اشترى طعامًا مُكَايَلَةً، واكْتَالَهُ بحضرة رجلٍ يُشَاهِدُه، فأراد الرجلُ أن يشتري منه ذلك الطعام، عليه أن يُعِيدَ الكَيْلَ على الحديث، لأنه صفقةٌ مستقلةٌ، فلا مُعْتَبَرَ بكَيْلِهِ - أي كيل بائعه، وهو المشتري الأول - بل عليه أن يَكِيلَه ثانيًا.

قلتُ: ولي فيه أيضًا نظرٌ، وهو: أنه إذا كان هناك ثالثٌ يُشَاهِدُ الكَيْلَ، فاشتراه، كفاه عن إعادة الكَيْلِ عندي، لأن المطلوبَ كون المبيع معلومًا، وقد حَصَل. نعم إن كَالَهُ يُسْتَحَبُّ له ذلك، فلا حاجةَ إلى تعدُّد الكيل في الصفقتين أيضًا.

ثم اعلم أن صاحبَ «الهداية» حمل حديث جَرَيَان الصَّاعَيْنِ على اجتماع الصفقتين، كما صوَّرْنا، وهو معنى قوله: إذا بِعْتَ فكِلْ، وإذا ابْتَعْتَ فاكْتَلْ. فالكيلان في صفقتين، كما في حديث ابن ماجه المارِّ آنفًا. وأمَّا إذا كانت الصَّفْقَةُ واحدةً، فلا حاجةَ إلى الكَيْلِ ثانيًا، بل كَفَاهُ كيل البائع إن كان بحضرته عند صاحب «الهداية»، وعندي مطلقًا إذا اعْتَمَدَ عليه. ومنهم من حمله على الصفقةِ الواحدةِ، فقال: إن المشتري إذا تصرَّف في الطعام الذي كَالَهُ البائعُ بحضرته، لم يَجُزْ لأجل هذا الحديث، وعليه أن يَكِيلَه ثانيًا، وهذا خطأٌ (١).

٥٢ - باب مَا يُسْتَحَبُّ مِنَ الْكَيْلِ

٢١٢٨ - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ عَنْ ثَوْرٍ عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ عَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِيكَرِبَ رضى الله عنه عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ «كِيلُوا طَعَامَكُمْ يُبَارَكْ لَكُمْ». تحفة ١١٥٥٨

٢١٢٨ - قوله: (كِيلُوا طَعَامَكُم) ... إلخ. وهذا فيما يَأْخُذُ للأكل، أمَّا كيلُ جميع ما في الإِناء، فَمُمْحِقٌ للبركة (٢).


(١) قلتُ: وقد صَعُبَ علي فَهْم مراده من هذا الموضع، وأوضحته حسب ما فَهِمْتُه بعد مراجعة "الهداية وشروحها" فإن اتَّضَحَ لك أيضًا فذاك، وإلَّا فَرَاجِعْ المسألةَ أولًا من "الهداية"، وأمْعِن النظرَ فيه، يَنْجلي لك الحالُ إن شاء الله تعالى.
(٢) قلتُ: إن البركةَ إنما تَنْزِلُ على المجموع، فإذا فُصِلَ انقطعت، كما رُوِيَ: "أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - دعا لأبي هُرَيْرَة تمرًا، ثم جَمَعَهُ ودعا فيه، وأمره أن يأخُذَ منه، يَكْسِرَه". وكذلك هدى في الطعام: أن يُؤْكَلَ من بين يديه، فإن البركةَ تَنْزِلُ في الوسط، وكذا في الجماعة. =

<<  <  ج: ص:  >  >>