القيامُ، والترتيلُ تكميلٌ له، ولذا أشار إليه الحافظُ رحمه الله تعالى أن قيامَ الليل يتأدَّى في ضِمْن الأذكارِ وغيرِهَا أيضًا (١).
١١٣٠ - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ عَنْ زِيَادٍ قَالَ سَمِعْتُ الْمُغِيرَةَ - رضى الله عنه - يَقُولُ إِنْ كَانَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - لَيَقُومُ لِيُصَلِّىَ حَتَّى تَرِمُ قَدَمَاهُ أَوْ سَاقَاهُ، فَيُقَالُ لَهُ فَيَقُولُ «أَفَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا». طرفاه ٤٨٣٦، ٦٤٧١ - تحفة ١١٤٩٨
١١٣٠ - قوله:(أفلا أَكُوْنُ عَبْدًا شَكُورًا) قيل: إنَّ الهمزةَ تقتضي الصَّدْر، والفاء تقتضي الدَّرْج، فكيف التوفيقُ بين مقتضاهما؟ فَقَدَّرَ له الزمخشريُّ فِعْلا وقال: أصله أأتركُ قيامَ الليلِ فلا أكونُ عبدًا شكورًا، فيكونُ الفِعْلُ الأول سببًا، والثاني مُسبَّبًا. وحاصِلَهُ أنه لو تَرَك الصلاةَ لم يكن عبدًا شكورًا، وخاصله جمهورُ النحاةِ وقالوا بترجيح حَقِّ الاستفهام على حَقِّ الفاء، فبقي الاستفهام على صَدَارَتِهِ، والعطف وإن اقْتَضَى الدرج لكنه تُرِكَ مقتضاه ههنا. وحينئذٍ حاصله أن المغفرةَ لا تقتضي تَرْكَ الاجتهادِ والعبادة، فإن الاجتهادَ قد يكونُ لتكفيرٍ، وقد يكون لأداء الشُّكْر، وهذا هو الأَصوب عندي، وإليه يشيرُ قوله تعالى:{نَافِلَةً لَّكَ}[الإسراء: ٧٩]. وفي قوله:{عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ}[الإسراء: ٧٩] ... إلخ إشارةٌ بليغةٌ إلى أنَّ للتهجُّدِ دخلا في وصولِ المقام المحمود. ثُمَّ إنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلّم كان يَقْسِمُ لَيْلَه أسداسًا: السدسان الأَوَّلان - وهما الثلث - للعَشَاء، ثم السُّدس للاستراحة، ثُم السدسُ الرابع والخامس في العبادة، ثُمَّ للاستراحةِ، وهذا في الأَغلب.
(١) يقول العبد الضعيف: وهو الذي يُعْهد مِن سُنةِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فإِنَّه كان يُصلِّي ثم يَفْصِلُ بينهما بالأدعية، والأذكار، وأخرى بالنوم على ما أعلم، فدلَّ على أن المقصودَ بالقيام هو إِحياءُ الليل. سواءٌ كانَ بالقرآنِ أو الأذكار. قال الشيخ رحمه الله تعالى: إنَّ المأمورَ به هو القيامُ والقرآنُ، ولا ذِكْر فيها للصلاةِ. وحاصل السورة عندي أن القيامَ منسوخٌ، والقرآن باقٍ، نعم نزل فيه التيسير، ولذا قال: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ} [المزمل: ٢٠] فنزل التيسير فيه ولم يذكر القيام، وكذلك الصلاة باقيةٌ على حالها، فصلاةُ الليل منسوخة لحال القيام وباقية لحال القراءة، وهي ثلاثُ ركعاتِ، الوِتْر التي قام بها الإِمام، لا يُقال: قوله: "خشيت أَن تُفْرض عليكم" يناقِضُه على قول مَنْ ذهب إلى اتحادِ التراويح وصلاة الليل، كما هو المختار عندي، فدل على عَدَمِ افتراضها قطعًا، مع أَنك قائلٌ بإيجاب حِصَّة منها بعد. قلت: معناه خشيتُ أن تُفْرَض عليكم بهذه الصفة المخصوصة لا أصل الصلاة، ولا بُدَّ من هذا التأويل، وإلا فما الخشيةُ بعد افتراضِ الخَمْس وسَبْقِ القول: {مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ} [ق: ٢٩] فاعلمه.