فإن المُمَاكسةَ بما لا يَضُرُّه أبعدُ عن معالى الأخلاق، فحرَّضَهُ على ما هو الأحرى بشأنه.
والحاصلُ: أن حقَّه على الأرض كأنه ضعيفٌ بالنسبة إلى المنقولات، وكأن الله تعالى خلقها للزراعةِ، أو المِنْحَةِ، ومن أراد غيرَ ذلك، فقد سَلَكَ مَسْلَكَ الشُّحِّ والبُخْل. وأمَّا المنقولات، فإن الشرعَ أباح له أن يَنْتَفِعَ بها كيف شاء، بيعًا وهِبةً، فإنها خُلِقَتْ للتحوِّل والنقل من مِلْكٍ إلى مِلْك. بخلاف الأرض، فإنها تَبْقَى على مكانها، وانتفاع أخيه الملهوف لا يُنْقِصُ منها شيئًا. نعم يُجْبِرُ الكَسِيرَ، ويُكْسِبُ المُعْدَم.
ثم إن مادةَ جوازها، والنهي عنها موجودةٌ في الأحاديث. وراجع له الطحاويَّ، وقد قرَّرنا لك مذهبَ الإِمام من «الحاوي»، فلا تَلْتفِتُ إلى ما اشتهر على الألسنة. وبعد ذلك تَسْتَرِيحُ عن الأجوبة، والأسئلة.
قوله: (وعامَلَ عُمَرُ) وقد مرَّ مني التردُّدَ فيه أنه كانت مُزَارَعَةً، أو خَرَاجًا مقاسمةً. والمصنِّفُ لا يفرِّق بينهما، ويَجْعَلُ معاملةَ السلطان مع رعيَّته مُزَارَعةً، مع أن السلطان أيضًا ليس بمالكٍ للأرض ههنا.
قوله: (وقال الحُسَنُ) ... إلخ، وهذه شَرِكةٌ.
قوله: (لا بَأْسَ أَنْ يُعْطِيَ الثَّوْبَ بالثُّلُثِ) ... إلخ، وتسمَّى عندنا بقَفِيز الطَّحَّان، وهي إعطاءُ الأجير أُجْرَتَهُ مما حَصَلَ له من عمله. وأجازه مشايخ بَلْخ، فلذا لا أتشدَّد فيه، وللقول المشهور قوله: «نهى رسولُ الله صلى الله عليه وسلّم عن قَفِيزِ الطَّحَّان».
قوله: (وقال مَعْمَرٌ: لا بَأْسَ أن تُكْرَى المَاشِيَةُ على الثُّلُثِ) (١) ... إلخ، أي أنه يُعْطِيه الثُّلُث أو الرُّبعُ من نسلها. وفي «شرح الكنز» - للعيني - في باب الشركة: أن المعاملةَ المذكورةَ لا تَجُوزُ عندنا، ويكون فيها أُجْرَةُ المِثْلِ فقط. قلت: وهذا فيما إذا وَقَعَ التَّنَازُع، أمَّا إذا لم يَقَعْ التنازعُ، فهما على ما اصطلحا عليه فيما بينهما.
٢٣٢٨ - قوله: (وقَسَمَ عُمَرُ): أي خيَّرهنَّ بين أن يُعْطِيَهُنَّ أرضًا من خَيْبرَ، أو يَأْخُذْنَ من الثمار.
٩ - باب إِذَا لَمْ يَشْتَرِطِ السِّنِينَ فِى الْمُزَارَعَةِ
٢٣٢٩ - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ حَدَّثَنِى نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - قَالَ عَامَلَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - خَيْبَرَ بِشَطْرِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنْ ثَمَرٍ أَوْ زَرْعٍ. أطرافه ٢٢٨٥، ٢٣٢٨، ٢٣٣١، ٢٣٣٨، ٢٤٩٩، ٢٧٢٠، ٣١٥٢، ٤٢٤٨ تحفة ٨١٣٨
ويُشْتَرَطُ تعيين الأجل في المُزَارَعَةِ. والمصنِّفُ يُطْلِقُ فيه، ولا يميِّزُ بين المُزَارَعَةِ، وخَرَاج
(١) قال العينيُّ: معناه أن يُكْرِي دابةً تَحْمِلُ له طعامًا مثلًا إلى مدَّةٍ معيَّنةٍ، على أن يكونَ ذلك بينهما أثلاثًا، أو أرباعًا، فإنه لا بَأْسَ. وعندنا لا يَجُوزُ ذلك، وعليه أُجْرَةُ المِثْلِ لصاحبه. اهـ.