للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى: إذا مات الإِنسانُ انقطع عنه عَمَلُه، فيكون كسائر الأمواتِ فيُخَمَّر رأسُه أيضًا. والحديث حَمَلُوه على التخصيص، فإِنه ليس لكل أَحَدٍ أن يُقْطَع فيه بأَنه يُبعث أيضًا يوم القيامة على ما مات عليه من العمل. وإنما فاز رجلٌ بهذه البشارة لمكان النبيِّ صلى الله عليه وسلّم والبشاراتُ لا تكون ضوابطَ لِيَعْمل بها كُلُّ عامل، ثُمَ يَرْجُو بها، ولكنَّها من حقائقِ الغيب تكونُ مودَعةِ لواحدٍ غَيْرِ مُعَيَّن في الظاهر، ومُعَيَّن عند الله العظيم، فإِذا وقعت لواحدٍ لا يبقى فيها حَظُّ للآخرَ. أَلا ترى إلى قوله: «سَبَقَكَ بها عُكَّاشَةُ». فإِن البِشارة بتلك المنزلةِ قد كانت سَبَقَت لواحدٍ ذي نصيبٍ، فبادَر إليها عُكّاشة ففاز بها، فإِذا أَرادها آخَرُ منهم، أجيب أنها كانت لواحدٍ في عِلْم اللَّهِ وقد صارت له.

وكقوله: اقبلوا البُشْرَى بني تميم. فقالوا: إِذا بَشَّرْتَنا فأَعْطِناه»، فجاءه أَهْلُ اليمن فقال لهم: «اقبلوها أنتم إذ لم يَقْبَلْها بَنُو تميم». فَقَبِلُوها فصارَتْ لهم.

وأظنُّ أن قوله صلى الله عليه وسلّم في حمزةَ رضي الله عنه: «لولا صفيةُ لَتَركْتُه تأكُلُه السِّباع حتى يُحْشَرَ يومَ القيامةِ من بطونِها» من هذا الباب، فإِنه لو تَرَكه لكانَ مُختصَّا به ولم يكن مسألةً وشريعةً مستمرَّةً في الشهداء.

ومن هذا الباب ما في بعض «التذكرة»: أن رجلا رأى سيبويه في المنام فسأله عن مغفرَتِه، فقال: غُفِر لي، فسأله عن سَبَبِها، فأجابه أَنَّه اختار أَنَّ اسمَ اللَّهِ مُرْتَجِل. فلو حاكاه أَحدٌ الآن، وجعل يكتبُ عليه رسالةً ثُم يَدَّعِي المغفرةَ لنفسه لأنه غُفِر لفلانَ بِمثْله، فإِنه أَحْمَق، أَلا يَدْري أنها كانت بِشارةً فاز بها سِيبويه، وليست ضابطةً للمغفرةِ. ونحوه ما في «التذكرة» أيضًا: أن رجلا رأى باسم الله مكتوبًا مطروحًا فعظَّمه ورَفَه، فَغُفِر له. فلو فَعَله أحدٌ لا يجِب له أن يستحق به الجنةَ، فإِنها أَفعالٌ إِلهيةٌ، وأسرارٌ ربَّانيةٌ جرت مع آحَادِ النَّاس، فلا يُحْكَم بها، فإِنها لا تكون بمادتها بتلك المنزلةِ، وإِنما يريدُ اللَّهُ أن يَمُنُّ بها على أحدٍ فيفعلُ ما يشاء، ويحكم ما يريد. ومن هذا الباب ما يظهَرُ من رحمته على بعض المسرفين يومَ القيامة.

إذا علمت هذا فاعلم أن الوُجْدان يشهد بكونِ عدمِ التخمير من خصائصه، فيختصُّ به فقط، لا أَنه يُخَمَّر رأسُ سائر المُحْرِمين أيضًا. ومن هذا الباب مَنْ جاءه يسألُ عن شرائع الإسلام، فأخبر ببعضها وبَشَّر عليها بقوله: «أَفْلَح وأبيه إِنْ صَدَق». ومرَّ تقريرُه في الإِيمان.

ثم عند مسلم زيادةُ لفظٍ وهي: «لا تُخَمِّرُوا رأسَهُ ولا وَجْهَه»، مع أنَّ أَثَرَ الإِحرام في الرأس فقط دون الوَجْه، على خلاف المرأة. واعتذر عنه النووي في شَرْحه. وكذا يَرِد عليهم قَوْلُه «اغسِلوه بماءٍ وسِدْرٌ، فإِنه إزالة التَّفَث مع كونه طيبًا أيضًا فاعتذر عنه.

٢٠ - باب الْحَنُوطِ لِلْمَيِّتِ

١٢٦٦ - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - قَالَ بَيْنَمَا رَجُلٌ وَاقِفٌ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِعَرَفَةَ إِذْ وَقَعَ مِنْ رَاحِلَتِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>