قلت: وقد تحقق عندي أن الحامل أيضًا تحيض إلا أنه لا ينبغي أن يعتبره الشرع لِنَدْرَتِه وقِلّة وقوعه جدًا. ثم من العجائب أن العُلُوق عند الفقهاء لا يكون إلا واحدًا، كما قالوا في التوأمين، ويمكن العلوق على العلوق عند جالينوس، فكان ينبغي للفقهاء أن يستشيروا في هذه الأمور الأطباء، لأنهم أعلم بموضوعهم، ولكل فن رجال. وإنما تنبهت لهذا الشرح مما علقه ابن بَطَّال على الترجمة الآتية:«قول الله عز وجل: {مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ}»[الحج: ٥] فإنه فَهِم منها أن دم الحيض إذا صار غذاءً للولد فكيف تحيض الحامل، ولذا قال: إن غرض البخاري بإدخال هذا الحديث في باب الحيض تقوية مذهب من يقول إن الحامل لا تحيض، فمن ههنا انتقل ذهني إلى أنَّ المرادَ من هذه الترجمة أيضًا هو التقوية لمذهب أبي حنيفة رحمه الله تعالى كما عَلِمْتَ تقريره.
قوله:(ثِيَابَ حَيضتي) ويُستفاد منه أنَّ النساءَ كُنَّ يُعْدِدْنَ الثياب لحيضهن أيضًا، وكانت ثيابهن لعامة الأحوال على حِدَةٍ.
ذهب محمد وأحمد رضي الله عنهما إلى أنه يُتَّقى موضعُ الدم فقط، وقال أبو حنيفة وأبو يوسف والشافعي رضي الله عنهم بالاجتناب عما دون السرَّة إلى الركبة، وهو ظاهر النص {فَاعْتَزِلُواْ النّسَآء فِي الْمَحِيضِ} يعني هو أصدق وأكثر تناولًا لمراتبه على مذهبنا، وهو سنة رسول الله صلى الله عليه وسلّم في عامة الأحاديث كما عند أبي داود:«أنَّ النبي صلى الله عليه وسلّم كان يأمرهن بالاتِّزَار ثم يُبَاشِرُهُنّ». أما ما رواه أبو داود في حديث أنَّه قال: «ادِني مني، فقلت: إني حائض، فقال: