سبحانه حكاية الحال، نقله بعين اللفظ، ولم يقل: قائلين {رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ} [البقرة: ١٢٨]، صريحٌ في إطلاق الإِسلام على من قبلنا أيضًا، وادّعى السيوطي اختصاصَه بهذه الأمة، {وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا} إنما جاء بحرف التبعيض، لعلمِهِ أنَّ كلَّهم لا يكون مسلمًا.
قوله: (فخر إلى الأرض)، وقد مر البحث فيه. واعلم أنَّ عبد الله بن الزبير لما استخلِفَ أراد أنْ يعيدَ بناءَ البيت إلى ما كان النبيُّ صلى الله عليه وسلّم أرادَه، فنقَضَ البُنيانَ، وأرخى الثيابَ حول البيت ليعرِفَ الناسُ قبلتهم في الصلوات، فدل على أنَّ القِبلة هي الهواء، كما قال به الحنفية.
٤٣ - باب فَضْلِ الْحَرَمِ
وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (٩١)} [النمل: ٩١]. وَقَوْلِهِ جَلَّ ذِكْرُهُ {أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (٥٧)} [القصص: ٥٧].
١٥٨٧ - حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ «إِنَّ هَذَا الْبَلَدَ حَرَّمَهُ اللَّهُ، لَا يُعْضَدُ شَوْكُهُ، وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهُ، وَلَا يَلْتَقِطُ لُقَطَتَهُ إِلَاّ مَنْ عَرَّفَهَا». أطرافه ١٣٤٩، ١٨٣٣، ١٨٣٤، ٢٠٩٠، ٢٤٣٣، ٢٧٨٣، ٢٨٢٥، ٣٠٧٧، ٣١٨٩، ٤٣١٣ - تحفة ٥٧٤٨ - ١٨١/ ٢
٤٤ - باب تَوْرِيثِ دُورِ مَكَّةَ وَبَيْعِهَا وَشِرَائِهَا وَأَنَّ النَّاسَ فِى مَسْجِدِ الْحَرَامِ سَوَاءٌ خَاصَّةً
لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (٢٥)} [الحج: ٢٥]. الْبَادِى الطَّارِى. {مَعْكُوفًا} [الفتح: ٢٥] مَحْبُوسًا.
اختلف الحنفية والشافعية في أنَّ أراضي مكة موقوفةٌ أو مملوكة؟ فعندهم هي مملوكةٌ. وقال الحنفية: هي موقوفة من لدن إبراهيم عليه الصلاة والسلام. وأصلُ النزاعِ في أنَّ مكة فُتِحت عَنْوةً أو صلحًا، فإن كان عَنْوة، تعين كونُ أراضيها موقوفةً لكونها لم تُقسمْ بين الغانمين، وإن كان صُلحًا كانت مملوكةً لأهليها على الأصل، فيجوز فيها سائر التصرفات.
فقال الحنفية: إنها فُتحت عَنْوة، واختار الشافعي أنها فُتحت صُلحًا. وكنت أقضي العجبَ من مثلِ الشافعي كيف قال بالفتح صُلحًا، مع أنَّ النبي صلى الله عليه وسلّم غزا عليها، مع ألوف من الصحابة رضي الله عنهم، وقاتل أيضًا، وإن كان يسيرًا، فهل يُسمَّى مثلُه صُلحًا؟ ثم تبين لي أن الحال لما انتهى إلى الصُّلح - وإن كان بعد القِتَال - اعتبَرَه صُلحًا.
والحاصل: أن الإِمام الهُمَام نظر إلى أول الحال، والإِمام الشافعي نظر إلى آخره، فلينظُر