للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

برؤية الذات. فإِنَّك ترى زيدًا في لباس، ثُم تقولُ إنَّك رأيتَ زيدًا، ولا تقولُ إنك رأيتَ ثَوْب زيد، فإِنَّ رُؤية كلِّ أحدِ بِحَسَبه، فكذلك الرؤيةُ في اللَّهِ تعالى، عبارةٌ عن رؤيةِ تجلياتِه عند الشيخ الأكبر، فالصورةُ عندي نحو تجلَ، وفَسَّرها الناسُ بالصِّفة؛ قلتُ: كَلَّا، لأنَّ تغيرَها موجودٌ في نصِّ الحديث، أن الله تعالى يأتيهم ثانيًا في صورةٍ يَعْرِفُونها ... إلخ، فلو كان المرادُ من الصورةِ الصِّفَةَ يلزم التَّغَيُّرُ في الصِّفَة، وهو مُحال، فالمراد هو التجلّي، وسنذكرُ بَحْثَ التجلّي في آخِر الكتاب إن شاء الله تعالى، وقد مَرَّ شيئًا أيضًا، فيقول: أنا رَبُّكم، فيه تقديمٌ وتأخير.

٩ - باب {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا (٤١)} [النساء: ٤١]

المُخْتَالُ وَالخَتَّالُ وَاحِدٌ. {نَطْمِسَ وُجُوهًا} [النساء: ٤٧]: نُسَوِّيَهَا حَتَّى تَعُودَ كَأَقْفَائِهِمْ، طَمَسَ الكِتَابَ مَحَاهُ، {سَعِيرًا} [النساء: ٥٥]: وُقُودًا.

٤٥٨٢ - حَدَّثَنَا صَدَقَةُ أَخْبَرَنَا يَحْيَى عَنْ سُفْيَانَ عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَبِيدَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ يَحْيَى بَعْضُ الْحَدِيثِ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ قَالَ قَالَ لِى النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - «اقْرَأْ عَلَىَّ».

قُلْتُ آقْرَأُ عَلَيْكَ وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ قَالَ «فَإِنِّى أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْ غَيْرِى». فَقَرَأْتُ عَلَيْهِ سُورَةَ النِّسَاءِ حَتَّى بَلَغْتُ {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ


= كالعدمِ في المخاطبات، فَتسمى رؤيةُ الذات معها رؤيةً لِعَين الذاتِ. ثُم تكلَّم على معنى الصورةِ على خلاف ما ذهب إليه عامَّة الشُّرَّاح. وحاصِله أنَّ الصورةَ على معناها، غيرَ أنَّ تلك ليست ثابتة لله تعالى، بل صِفَة للتجلِّي، وهو مخلوقٌ مُنْفصل عن حضرته تعالى. وقد مرَّ أَنَّ التجلي أمورٌ تنصبُ بين العبدِ ورَبِّه، لمعرفةِ اللهِ سبحانه شيئًا، فإِنَّ معرفةَ عينِ الذاتِ مُتعذرَةٌ، والأنظارُ عن التحديقِ إليها كليلةٌ، وسيأتي بَسطه في باب الاستئذان بما يكفي ويَشفِي. قلتُ: والشيخُ الأجَلُّ المجدِّد السَّرْهِنْدي ذَهب إلى رؤيةِ الذاتِ عَيْنِها، وقال بارتفاع الحُجُب بأَسْرِها عن الله سبحانه، حتى رداء الكِبْرياء، وإزارِ العظمةِ أيضًا، ولا رَيْب أنها ظاهِرُ الشرع، وبسطها في مكتوباتِه، فليراجع.
واعلم أن ما ذكره الشيخُ قُدِّس سِرُّه في تحقيق حَيِّز جهنَّم والجنة؛ وتجسُّد المعاني، وعدد العوالم، وغيرها من أمور الحقائق كُلِّها من هذا القبيل، فإِن لكلِّ آيةِ ظهرًا وبطنًا، ومَنْ لا يميز بين فَنِّ وفن، يجعل كلًّا منه قَطْعيًا.
وقد مرَّ في -كتاب الإِيمان- أن موضوعَ عِلْم الكلام الإِكفارُ بالقطعيات، على خلاف موضوع الفقهاء، فما بالُ موضوعِ أرباب الحقائق، فإِنَّها إما كُشوفٌ، أو خَرْصٌ وظنون، تُقبل إنْ لم تخالف ظَاهِرَ الشرع، وإنما استحسن الخَوْض فيها، لأنَّ مَنْ لا خبرةَ لهم بتلك العُلوم، قد عَجِزوا عن شَرْح كثيرٍ من الأحاديث، ووقعوا في التأويلات البعيدةِ، فإِذا استُعين بها فيها ظهر المقصودُ بدون تأويل، كيف لا! وأنَّ الشَرْع قد تَعرَّض إلى هذه الأبواب أيضًا، فلا يمكن فَهْمُها إلَّا لأرْبابها، وإنما لكل فَنٍّ رجال. وإنما نبهتك على هذه الدقيقةِ، لتقدر منازِلَ المسائل، فتأخذ ما فهمت منها، وتترك ما عَجِزت عن فهمها، ولا تطيل اللسانَ على أرباب العلوم، على جَهْل منك، والله المستعان.

<<  <  ج: ص:  >  >>