واعلم أن ما ذكره الشيخُ قُدِّس سِرُّه في تحقيق حَيِّز جهنَّم والجنة؛ وتجسُّد المعاني، وعدد العوالم، وغيرها من أمور الحقائق كُلِّها من هذا القبيل، فإِن لكلِّ آيةِ ظهرًا وبطنًا، ومَنْ لا يميز بين فَنِّ وفن، يجعل كلًّا منه قَطْعيًا. وقد مرَّ في -كتاب الإِيمان- أن موضوعَ عِلْم الكلام الإِكفارُ بالقطعيات، على خلاف موضوع الفقهاء، فما بالُ موضوعِ أرباب الحقائق، فإِنَّها إما كُشوفٌ، أو خَرْصٌ وظنون، تُقبل إنْ لم تخالف ظَاهِرَ الشرع، وإنما استحسن الخَوْض فيها، لأنَّ مَنْ لا خبرةَ لهم بتلك العُلوم، قد عَجِزوا عن شَرْح كثيرٍ من الأحاديث، ووقعوا في التأويلات البعيدةِ، فإِذا استُعين بها فيها ظهر المقصودُ بدون تأويل، كيف لا! وأنَّ الشَرْع قد تَعرَّض إلى هذه الأبواب أيضًا، فلا يمكن فَهْمُها إلَّا لأرْبابها، وإنما لكل فَنٍّ رجال. وإنما نبهتك على هذه الدقيقةِ، لتقدر منازِلَ المسائل، فتأخذ ما فهمت منها، وتترك ما عَجِزت عن فهمها، ولا تطيل اللسانَ على أرباب العلوم، على جَهْل منك، والله المستعان.