وسيلةٌ، والمقصودُ هو المعقود عليه، مع أن الإيمانَ من أسنى المقاصد، وبعد اللُّتيا والتي أن الإيمان تصديقًا اختياريًا كان، أو معه تسليم، كلامًا نفسيًا كان، أو معرفة، أو معاقدة، لا يفنك عن هذا الالتزام، والطاعة له صلى الله عليه وسلّم في جميع ما جاء به. فأما أن يراد بألفاظهم هذا، أو يُزادُ عليها هذا الجزء. بقي إصلاح الاصطلاحات والألفاظ، فهذا أمر نَكِلُهُ إليك، ولسنا بصدده بعد وضوح حقيقة الحال. والله تعالى أعلم وملمُهُ أتم.
المَعْرِفَةُ شرطٌ في الإيمان أم لا؟
فالمشهور عن الأئمة الأربعة رحمهم الله: أنها ليست بشرط، بخلاف المعتزلة فإنها شرط عندهم، ومعناه عندهم: أن يكون عنده من الدلائل على التوحيد والرسالة ما يوجب اليقين، بحيث لا يزولُ بتشكيكِ المشكِّك، ويجبُ عند أئمتنا اليقين، ولا يجب سُنُوحُ الدلائل معه، وهو الحق، فإنه يُعلم من الصحيحين العبرةُ بإسلام رجالٍ أسلموا في الحروب والسيوف تلمع عليهم. وكذلك أمرنا أنْ نَكُفَّ سيوفنا عمن قال: لا إله إلا الله، لأنه دليل صادق على رضائه بالإسلام، والترك لدينه، وحسابُهُم على الله، وأين تحضرهم الدلائل في هذا الحين. وهذا معنى ما يقال: إن إيمانَ المقلدُ معتبرٌ عندنا، فمن آمن تقليدًا وأذعن به قلبه، فإنه مؤمنٌ وإن لم يكن عنده دليل على ذلك، بخلاف المعتزلةِ وزعم بعض السفهاء: أن الاختلافَ في عبرةِ إيمان مقلدي الأئمة رحمهم الله تعالى وعدمها، وهو حمقٌ، والصواب ما علمت.
والحاصل: أنّ أولَ الواجبات عند المعتزلة: هو المعرفة، ثم الإيمان. وعندنا: الإيمان، هو أول الواجب، وليست تلك المعرفة شرطًا أصلًا، ثم رأيتُ، في «جمع الجوامع»: أن لو حصل لرجل ظن، ولم يكن عنده اعتقادٌ جازمٌ، فهو أيضًا كاف لإيمانه، بشرط أن لا يخطر الكفرُ في قلبه، ولا يوسوس به صدرُهُ، ولا تترددُ فيه نفسُه.
[قول وعمل]
وفي عامّة نُسخ البخاري: قولٌ وفعلٌ، ولا أعلم وجهَه. ولفظ السَّلف: الإيمان: اسم للاعتقاد والقول والعمل، فلا أدري ما وجه تغييرِهِ عُنوان السلف، ووضعُ الفعل بدل العمل، مع أن الأظهرَ هو العمل. ولما أراد البخاري من القول ما يوافقُ الباطنَ اندرج الاعتقاد تحته. ولذا حذفه من مقولتهم. فالإيمان عند السلف عبارة عن ثلاثة أشياء: اعتقاد، وقول، وعمل. وقد مر الكلام على الأولين: أي التصديق، والإقرار، بقي العمل، هل هو جزءٌ للإيمان أم لا؟ فالمذاهب فيه أربعة:
قال الخوارج والمعتزلة: إن الأعمال أجزاءٌ للإيمان، فالتارك للعمل خارج عن الإيمان عندهما. ثم اختلفوا، فالخوارجُ أخرجوه عن الإيمان، وأدخلوه في الكفر، والمعتزلةُ لم يدخلوه في الكفر. بل قالوا بالمنزلةِ بين المنزلتين.
والثالث: مذهب المرجئة فقالوا: لا حاجة إلى العمل، ومدار النَّجاة هو التصديق فقط. فصار الأوَّلونَ والمرجئة على طرفي نقيض.