للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ومعناه على المَشْهُور ليس على طريقتِنَا وسُنَّتِنَا. وكان سُفيانُ (١) الثوريُّ يمنع عن تأويلهِ ويقول: إنَّ مِثْلَ هذا الحديث ينبغي أن يترك على ظاهرِهِ ولا يُؤوَّل، فإنَّه يخف منه الوعيد. والمقصودُ زَجْرُ الناسِ عنه والتخفيفُ يُخُلُّ به.

٣٦ - باب رِثَى النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - سَعْدَ ابْنَ خَوْلَةَ

١٢٩٥ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِى وَقَّاصٍ عَنْ أَبِيهِ - رضى الله عنه - قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَعُودُنِى عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ مِنْ وَجَعٍ اشْتَدَّ بِى فَقُلْتُ إِنِّى قَدْ بَلَغَ بِى مِنَ الْوَجَعِ وَأَنَا ذُو مَالٍ، وَلَا يَرِثُنِى إِلَاّ ابْنَةٌ، أَفَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثَىْ مَالِى قَالَ «لَا». فَقُلْتُ بِالشَّطْرِ فَقَالَ «لَا» ثُمَّ قَالَ «الثُّلُثُ وَالثُّلْثُ كَبِيرٌ - أَوْ كَثِيرٌ - إِنَّكَ أَنْ تَذَرَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ، وَإِنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِى بِهَا وَجْهَ اللَّهِ إِلَاّ أُجِرْتَ بِهَا، حَتَّى مَا تَجْعَلُ فِى فِى امْرَأَتِكَ». فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أُخَلَّفُ بَعْدَ أَصْحَابِى قَالَ «إِنَّكَ لَنْ تُخَلَّفَ فَتَعْمَلَ عَمَلًا صَالِحًا إِلَاّ ازْدَدْتَ بِهِ دَرَجَةً وَرِفْعَةً، ثُمَّ لَعَلَّكَ أَنْ تُخَلَّفَ حَتَّى يَنْتَفِعَ بِكَ أَقْوَامٌ وَيُضَرَّ بِكَ آخَرُونَ، اللَّهُمَّ أَمْضِ لأَصْحَابِى هِجْرَتَهُمْ، وَلَا تَرُدَّهُمْ عَلَى أَعْقَابِهِمْ، لَكِنِ الْبَائِسُ سَعْدُ ابْنُ خَوْلَةَ، يَرْثِى لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ مَاتَ بِمَكَّةَ». أطرافه ٥٦، ٢٧٤٢، ٢٧٤٤، ٣٩٣٦، ٤٤٠٩، ٥٣٥٤، ٥٦٥٩، ٥٦٦٨، ٦٣٧٣، ٦٧٣٣ تحفة ٣٨٩٠

١٢٩٥ - قوله: (عَام حَجَّةِ الوَدَاع) ويقول بعضُهُم عامَ الفَتْح، فهو مِنْ اختلافِ الرواة.

قوله: (يَتَكَفَّفُوْنَ) (اته يسارين).

قوله: (إلا أُجِرْتَ بِهَا) وترشَّحَ منه أنه لَعله تَطُوْلُ حياتُهُ ولا يموتُ في هذا المَرَضِ. ولذا سأل عنه فقال: «يا رسولَ الله أُخَلَّفُ بَعْدَ أَصْحَابِي؟» كأنه يسخبرُهُ عن حياته وموته، ولكنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلّم لم يجبه صراحةً. والمرادُ من التخليف على هذا التقدير بقاؤه حياتُهُ. ويمكنُ أن يكونَ مرادُهُ: أنَّك تذهبُ إلى المدينةِ وأصحابُكَ معك ذاهبون، أفأَتخلَّفُ عنهم فلا أَقْدِرُ على الذَّهَابِ معك؟ فالتخليفُ إذن بمعنى بقائه يمكةَ وعدم ذهابه معه. وكأنه يستخبرُه عن هجرتِهِ هل تَتِمُّ أو لا؟ فإنَّ الصحابةَ رضي الله تعالى عنهم كانوا يَعُدُّون الموتَ في غيرِ دَارِ هِجْرَتِهِم نَقْصَا. ويؤيده قوله صلى الله عليه وسلّم «إنك لن تُخَلَّف» ... إلخ يعني إنك إن بقيتَ ههنا ولم تَبْلُغ إلى المدينةِ فلا بأس، فإنَّك أن تعمل عملا صالحًا فَنَفْعُهَا نائلٌ إياكَ لا محالة، فهذا القَدْرُ من المنفعةِ حَاصِلٌ لك بمكةَ أيضًا.

قوله: (لَعَلَّكَ أَنْ تُخَلَّفَ) (٢) أي تَطُول بك الحياةُ. أشار فيه إلى بقائِهِ وحياتِهِ وانتفاعِ


(١) قلت: ذكره الترمذي رحمه الله تعالى في أبواب البرِّ والصلة. اهـ.
(٢) قال القاضي أبو المحاسن في "المختصر" في وصية سعد ص (٢٧٢): الأصح أن ذلك كان عامَ الفتح لا عام حجة الوداع، خلافًا لمالك رحمه الله تعالى. ومعنى قوله: لَعَلَّك أَنْ تُخلَّفَ هو ما روى عن بُكَيْر بن الأَشَجّ =

<<  <  ج: ص:  >  >>