٩٧ - قوله:(ثلاثة لهم أجران: رجل من أهل الكتاب) ... إلخ أجرُ الإيمان بنبيِّهِ وأجر الإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلّم
قوله:(يَطَؤُهَا) أي بملك اليمين. قوله:(أدبها) التأديب تهذيب "دادان".
قوله:(ثم أعتقها) وقد ذكرتُ ههنا أمورٌ فاختلف الشارحون في التعيين - منها: قلت: والأوجهُ أن الأمورَ المذكورة إلى الإعتاق عملٌ واحد والأمورُ بعد الإعتاق عمل آخر. فالأجرانِ على الإعتاق بما فيه وعلى النكاح، لأن الإعتاقَ عبادٌ مستقلةٌ. وسائرُ الأمور المذكورة قبلَه تمهيداتٌ له، وكذا التزوُّجُ بعد الإعتاق أيضًا عبادة مستقلة أخرى، فالأجران على هذين العملين.
ثم ههنا عَوِيْصَةٌ وهي: أن المرادَ من أهل الكتاب ماذا؟ إن كان اليهودُ فهو صعبٌ من حيث أنهم كفروا بعيسى عليه السلام، وصاروا كفارًا وحبطَ إيمانُهُم، فكيف يستحقون الأجرين. لأنه لم يبق حينئذٍ من عملهم غيرُ الإيمان بالنبي وهو عملٌ واحدٌ فلا يستحِقون عليه إلا أجرًا واحد. وإن قلنا: إن المراد منهم النصارى كما يؤيده ما عند البخاري: «رجل آمن بعيسى» بدل قوله: «من أهل الكتاب» فدل على أن المراد منهم النصارى فقط دون اليهود، فهو أصعبُ لأن الحديثَ مستفادٌ من قوله تعالى:{أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ}[القصص: ٥٤] وإنه نَزَلَ في عبدِ الله بن سلام وأصحابه باتفاق المفسرين، وكان يهوديًا فعُلِم أن لهم أيضًا أجرين فيدخلون تحت أهل الكتاب أيضًا ولا بد.
قلت: ولا ريب في أن الحديث عام لليهود والنصارى، أما ما ورد في لفظ البخاري:«رجل آمن بعيسى»، فإنه يجعل تابعًا لما في أكثر الروايات:«رجل من أهل الكتاب» ويحملُ على اقتصارٍ من الراوي. والأصل كما ذكره آخرون ولا ينبغي أن تُدارَ المسألة على ألفاظِ بعض الرواة، سيما إذا وردت مخالفة للأكثرين.
فهذه قضية أبهمت على الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى حتى استقر رأيه على ما نُقِلَ عن الكِرْمَاني أن الأجرينِ لا يختصانِ بأهل الكتاب، بل كل من آمن بنبينا صلى الله عليه وسلّم ولو بعد الكفر الصريح حتى المجُوسي والوَثني، فإنه أيضًا يُحْرِزُ الأجرين.