واعلم أنه قد تكلَّمنا على المُزَّمِّل، وأنه لا تستقيم فيها البدليةُ بين قوله: {قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (٢)} [المزمل: ٢] ... إلخ، وأنه ماذا فيه من الجواب عندنا، فراجعه.
قوله:(نافرة)"كهبرائى هوئى بها كنى والى".
٤٩٢٢ - قوله:(سألت جابِرَ بنَ عبد الله رضي الله عنهما عن ذلك) ... إلخ. واعلم أنَّ أَوَّل ما نزلت مِن السُّور هي المُدّثِّر عند جابر؛ والصوابُ أنها سورة «اقرأ». قلت: وقد رام الحافِظُ التطبيقَ بينهما، وليس بشيءٍ عندي، بل هو خلافُ الواقع، لأنَّ جابرًا قد جَزَم بِكَوْن المُدّثر أَوَّل نزولا، وحينئذٍ فالتوجِيهُ من جانِبه توجِيهٌ بما لا يرضى به قائِلُه، وذلك لأنَّ الرواة إنما يُعبِّرُون عَمّا في ذِهْنهم من المعنى، وربما لا يكون لهم خبرةٌ بما عند الآخَر، فلا يراعونه أصلًا، كيف وإنَّما الواجب عليهم ما بلغ عِنْدهم، فإِذا لم يُبلِّغهم إلاّ ما بلغوا لم يجِب عليهم مراعاتِه أَصْلًا، غير أنَّ اللاّحق إذا وجد المادّةَ المتناقضةَ في الطرفين، يجب عليه أن يتحرَّى الصوابَ، ويتتبّع التوجيهاتِ، فتلك تكون مِن جهته، ولذا تراها ربما تختلف على الألفاظ، ولا تأتي عليها، وهذا النحو ليس إلَّا لعدم مراعاتِهم إياها، فمن زَعَم يؤوِّل قولَهم بما يُشْعر أنهم عَلِموا حال الألفاظ جُمْلةً، فقد بَعُد عن الصواب؛ فليس عند جابر إلَّا أنَّ المُدّثر أول نزولًا، وذلك هو المحقَّق عنده، ولا نبحث عن وُجوهه وأسبابه، فلتكن ما كانت. وإذن فالتطبيق بين قوله، وبين مَنْ روى أَوّلية سورة اقرأ حَمْلٌ عليه ما لا يتحمّله هو، فَمَن أراد من الشارحين أن يوجِد التطبيقَ من قِبل جابر فقد أبعد، نعم إنْ أراده لنفسه ومن قِبَله، فهذا أَمْرٌ لا حَجْر فيه ولا ضيق.
٤٩٢٥ - قوله:(قَبْل أن تُفْترض) أي قبل أن تفترض الخَمْس، وإلَّا فالصلاتانِ عندي كانتا فَرِيضَتَين منذ بدء الإِسلام، كما حَرّرنا من قبل، وقد تكلَّمنا على ألفاظ هذه السور في أول الكتاب.