والحيض دم معروف حَدَّده فقهاؤنا، ولا تحديد في الخارج، وإنما يختلف باختلاف الأمصار والأعصار، ولذا ذهب مالك رحمه الله تعالى إلى أنَّه أمكن أن يكون ساعةً أيضًا، وإنما وَقَّتَه في باب العدة فقط، ولم يَرِد في هذا الباب من المرفوع شيء ولو بإسناد ضعيف، ومَرَّ عليه الزيلعي رحمه الله تعالى في تخريج الهداية، فلم يأت إلا بالمناكير - وهو رفيق للحافظ زين الدين العراقي رحمه الله تعالى، وكان يصنِّف في هذه الأيام تخريج الإحياء والزيلعي رحمه الله تعالى «تخريج الهدية»، وكان يرافق أحدُهما الآخر، فإذا ظَفِر أحدُهما بحديث نادر أرسله إلى الآخر ليستفيد منه في تصنيفه، وظني أن الزيلعي رحمه الله تعالى أحفظُ من الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى. وقد صنف الحافظ رحمه الله تعالى «فتح الباري» في اثنين وعشرين سنة، وصنَّف العيني رحمه الله تعالى «عمدة القاري» في عشرة سنين - وصرح ابن العربي رحمه الله تعالى أنه لا توقيت فيه.
وكنتُ أتمنى أن أرى مثلَه من قلم حنفي أيضًا إلا أني مع التتبع الكثير لم أرَ أحدًا صرَّح به، ثم ذكر ابن العربي رحمه الله تعالى أنه صنف رسالةً مستقلة في هذا الباب، إلا أنها ضاعت منه في سفر فلم يقدر على جمعها ثانيًا. أما في هذا العصر فلا توجد غير رسالة البِرْكِلي وهو معاصر لصاحب «الدر المختار»، إلا أنها لاشتمالها على الأغلاط قد انقطعت الفائدة منها، لأن المصنِّف رحمه الله تعالى ذكر في خُطبتها أنه جمع هذه الرسالة من كتب مملوءة بالأغلاط، فاجتهد في تصحيحها، ومع ذلك بقيت فيها أغلاط كثيرة.
وقد راجعت تلك الرسالة فوجدتُ فيها أغلاطًا كثيرة، وشرحها ابن عابدين واتَّبَعَ الماتن، فاحتوى شرحه أيضًا على الأغلاط. ونِعْمَ ما فعله المالكية حيث وقَّتوه في باب العِدَّة، أما في معاملة بيتها وصلاتها وصيامها، فاعتبروا فيها رأيَها وفَوَّضوها إليه. والحاصل: أن دم الحيض غير موقت شرعًا وعرفًا، وليت الحنفية كتبوا مثله ولكن:
*ما كلُّ ما يتمنَّى المرءُ يُدْرِكُه ... تأتي الرِّياح بما لا تشتهي السُّفُنُ
وهكذا الأمر في توقيت مُدَّة الحَمْل، فإنها أيضًا غير مُوَقَّتة، فقد تمتد إلى عشرة سنين