الركوب في الطواف، فإنَّه من الستة التي صرح «البدائع» أنْ لا جِنَاية بتركها. إما المصنف فحمله على المَرَضِ.
أما ترجمة المصنف، والحديث الذي أخرج لها ففيه كلامٌ، وهو أن حديثه في حَجَّة الوداع كما جاء مصرحًا عند أبي داود عن ابن عباس:«أنه طاف في حجة الوداعِ على بعيرٍ يَستلمُ الركنَ بمِحْجَن»، وركوبه في تلك الحجة، لم يكن من أجل المرض، بل كان لأن يَرَاه الناس، وليسألوه عما هم سائلون، كما هو عند مسلم وحينئذٍ لا يُطابق الحديثُ الترجمة، فإنَّها في الركوب من أجل المرض، والحديث في الركوب لرؤية الناس، فاضطر الحافظ ههنا إلى الاستعانة من حديث أبي داود عن ابن عباس، بلفظ:«قدم النبيُّ صلى الله عليه وسلّم مكة، وهو يشتكي، فطافَ على راحلته» ... إلخ.
قلتُ: وفي إسناده يزيد بن أبي زياد، وفيه لِيْنٌ، ولذا لم يخرج عنه البخاري. وهذا هو الراوي لحديث البراء في ترك رفع اليدين، وحديث القميص في كفنه صلى الله عليه وسلّم عند أبي داود، فلمَّا رأيتُ أنَّ ترجمة البخاري تتوقف على حديثه في الطواف راكبًا، قلتُ: إنه لا يليقٌ بشأن المصنف، وحينئذٍ وَسِع لي أن أتمسك بحديثه في الترك أيضًا. بالجملة: لمّا اضطر الحافظ إلى إثبات ترجمتِهِ تمسَّك من حديثه، وهذا هو الذي - لما رَوى الترك - تكلم عليه الحافظ، وجهر بضَعْفِه، حتى سمعه من قُربٍ ومن بُعدٍ، فهذا خبرهُم عند الوِفاق، وذلم مخْبِرهُم عند الخلاف (١).
٧٥ - باب سِقَايَةِ الْحَاجِّ
١٦٣٤ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِى الأَسْوَدِ حَدَّثَنَا أَبُو ضَمْرَةَ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - قَالَ اسْتَأْذَنَ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ - رضى الله عنه - رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يَبِيتَ بِمَكَّةَ لَيَالِىَ مِنًى مِنْ أَجْلِ سِقَايَتِهِ، فَأَذِنَ لَهُ. أطرافه ١٧٤٣، ١٧٤٤، ١٧٤٥ - تحفة ٧٨٠٢
١٦٣٥ - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - جَاءَ إِلَى السِّقَايَةِ، فَاسْتَسْقَى، فَقَالَ الْعَبَّاسُ يَا فَضْلُ اذْهَبْ إِلَى أُمِّكَ، فَأْتِ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِشَرَابٍ مِنْ عِنْدِهَا. فَقَالَ «اسْقِنِى».
(١) قلت: وأيضًا وجدتُ فيما كتبتُ عن الشيخ أن طوافَه مشتكيًا كان في فتح مكة، أو عمرة القضاء. قلت: وحينئذٍ فترجمتُه تكون ناظرةً إلى هذا الحديث، ولما لم يكن هذا الحديثُ على شرطِهِ لم يخرِّجْه، واكتفى بحديثٍ في حجة الوداع، وإن لم يكن فيه الركوب من أجل المرض. ومثله ربما يفعله المصنف، فيترجِمُ ناظرًا إلى حديث في الخارج، ثم يُخرِجُ حديثًا آخرًا مناسبًا على شرطه، وإن لم يكن صريحًا فيه. أما الحافظ فيظهرُ من كلامه أنه أيضًا في حجة الوداع، لأنه قال: إنه يحتمل أن يكون فعل ذلك -أي الطواف راكبًا- للأمرين، أي للاشتكاء، ولأن يراه الناس. والله تعالى أعلم بالصواب.