قلت: فإِذا اعتُبرت النِّيةُ في تخصيص العام، ينبغي أن تُعتبر في باب الوَقْف أيضًا، فلا بُدَّ أن يُسأل عن نِيئه، إلا أنه لا مُنازِع في تخصيص قوله: واللهِ لا آكُل طعامًا، فيعتبر بلا نِزاع ولا دفاع، بخلافه في باب الوقف، فإِنَّه إذا عَمَّ في اللفظ، ثم نوى الخاصَّ زاحمهُ مُستحقّون، ومصارفه في التخصيص، لكونِه خلافًا للمتبادر.
الأوليانِ واحِدُهما أَولى ومنه: أَولى به. عُثِرَ: أُضْهِرَ. أَعْثَرْنا: أَظْهِرْنا.
واعلم أنَّ أَوَّل مَنْ خدَم القرآنَ، وعلَّق عليه التفاسير هم النُّحاةُ؛ ويقال لهم: أصحابُ المعاني، ومنهم الزَّجاج، وهؤلاء الذين أرادَهم البغويُّ في «معالم التنزيل» من قولِه: قال أصحابُ المعاني. ثم جاء المحدِّثون من بعدهم، وجمعوا الآثار، والأحاديث، ولا يُظَنُّ أنَّ كُلَّ ما يُنقل عن السَّلَف في باب التفسير يكونُ مرفوعًا كيف وقد ثبت عندي كالعِيان أنَّ أكثرَها ظُنونٌ، وآراه، أذواق وجدان، وقد مَهَّدنا مِنْ قَبْل أن التفسيرَ إذا لم يُوجب تغييرًا في العقيدة الإِسلامية، وتبديلا في المسائل المتواترة، فلا بأس به. فالزَّجَّاجُ منهم مرّ على هذه الآياتِ، وعدَّها من أشكلها حُكْمًا وإعرابًا، لأنَّ في ألفاظها نُبُوُّا، وتَعْقيدًا في المعاني، وكذا الزمخشريُّ أيضًا رجلٌ من رجال هذا الفَنَّ. فهمه أيضًا في إزالةِ هذا التعقيد. أما الرَّازي، فإِن كان الناسُ يَزْعُمون أنه يَجُول في «الأطرافِ» لكن له لفتةٌ عندي إلى هذه الإِشكالات أيضًا (١)، وَوَجْهُ الصعوبةِ في نَظْم القرآنِ عندي، أنه أَبْدع بين كلامِ المؤرخ. والفَقِيه نوعًا ثالثًا. فإِنَّ المُؤرِّخ يَسْرُد القِصَّة، ولا تكون له بالمسائل الشرعية عناية، والفقيه يرتِبُ المسائلَ، ولا تكون له إلى الوقائع عنايةً، أما
(١) وقد تكلَّم العيني على تلك الآيات مُفَسِّرًا فراجعه، فإنه مهم.