قوله:(وقال ابن المسيب ... الخ) وعن أحمد رحمه الله تعالى: أنَّ المرأةَ إن مسحت على مُقَدَّم رأسها أجزأها.
١٨٥ - قوله:(فَأَفْرَغ على يده) واعلم أنَّه قد مر منا الاختلافُ في غسل اليدين قبل الوضوء، هل هو من آداب المياه أو سُنن الوضوء؟ والذي يظهر أنَّه من باب اختلاف الأنظارِ فقط، لأنه إذا ثَبَتَ عسلهُما قبل الوضوءِ عند الطائفتين.
فالذين قالوا: إنَّه من آداب المياه لم يذكُروا له إلا حِكمة التقديم، وهي صِيَانة الماء، فهذا نظرٌ لا غير.
والذين قالوا: إنَّه من سُنن الوضوء، فكأنهم لم يلتفتوا إلى تلك الحكمة مع اتفاقِهم على أنَّه الوضوء. نعم، لو ثَبَتَ عن النبي صلى الله عليه وسلّم تركُه في وضوئه لكان محلًا للخلاف.
ثم إِنه وقع لفظُ الوضوء في حديث المستيقظ فقال:«فلا يَغمِس يدَهُ في وضوئه» فمن هنا دارَ النظرُ في كونه من أحكام الوضوء أو الماء، وحينئذ الأولى أن يسلمَ النظران ويقال: إن الغَسْل إنما هو لأجلِ صيانة الماء، لكنَّ موضِعَهُ قبل الوضوء كما في الحديث، فإِنَّ ماءَ الوضوء أولى بالصِّيانة، وحينئد يجتمع النظران ولا يبقى التناقض، ولا يذهب عليك أنَّ غَسلَ اليدين مرتين ههنا من فعله نفسه، وما يذكره من فعله صلى الله عليه وسلّم الذي رآه، ففيه كما في الرواية التالية: أنَّه كان إلى المرفقين فاعلمه.
قوله:(فأقبل بهما وأدبر) والإِقبال والإِدبار حركتان لا أنهما مَسْحتان، كما عن عبد الله بن زيد في الرواية الآتية عقيبها:«فأقبل بهما وأدبر مرة واحدة» فحسبُه مرةً واحدةً مع ذكر الإِقبال والإِدبار. وكذا في حديث الربيع أخرجه الترمذي وغيره قالت:«مسح رأسه، ومسح ما أقبل منه وما أدبر، وصُدغيه وأذنيه مرةً واحدةً، ثم تقول هي: «مسح برأسه مرتين، بدأ بمؤخَّرِ رأسه، ثم بمقدَّمِهِ» فتبين أنَّ مَن ذَكَر التَكرار في المسح عنى به الإِقبال والإِدبار.
وقال أبو داود: أحاديثُ عثمان الصِّحاح كلها تدلُّ عل المسح مرة. على أنَّه روى الحسن عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى: أنَّ المسح ثلاثًا بماء واحد جائزٌ، كما في «الهداية» وفي قاضيخان عن أبي حنيفة: أنه لو ثلَّث المسح لا تكون بِدعةٌ ولا سُنة، وهو الرجح عندي، وإن كان في بعض الكتب أنَّه بدعة.