صلَّى بالناس جماعة بعد ذهاب الوقت:«حتى كادت الشمس تغرُب». ومع هذا لم يصلِّها النبيُّ صلى الله عليه وسلّم إلا بعد ما غَرَبَت الشمس، كما في البخاري في هذا الحديث. والاعتذار عنه بأنه لم يكن على وضوءٍ، أو انتظر أن يجتمعَ الناس، أو لم تَنْزِل صلاة الخوف بَعْدُ، فكلها لا يَعْلَقُ بالقلب. وبالجملة: إن الأحاديث في الأوقات المكروهة قد اشتهرت، وفيهما عندنا بيان من قِبَل صاحب الشرع أيضًا. أمَّا في الفجر، فما رُوِيَ عنه في ليلة التعريس. وأمَّا في صلاة العصر، فكما في غزوة الأحزاب، وأمسك النبيُّ صلى الله عليه وسلّم فيها عن الصلاة حتى خرج الوقت المكروه، وحسبك قُدْوة بهما.
أمَّا صحة عصر اليوم عند الاحمرار عندنا، فقد مرَّ تحقيقه وأنه هل يُؤْمَرُ بها إذ ذاك أو يؤخِّرها. وكيفما كان، ولكنه لا يجب عليه أن يصلِّيها إذا ذكرها.
٣٧ - باب مَنْ صَلَّى بِالنَّاسِ جَمَاعَةً بَعْدَ ذَهَابِ الْوَقْتِ
ولم أر في فِقْهِ الحنفية أنهم قالوا بوجوب الجماعة على من قضاها بعد الوقت.
٥٩٦ - قوله:(يوم الخَنْدَق)، وهي في السنة الرابعة أو الخامسة. وقد كان الخَنْدَق حُفِرَ على رأي سلمان الفارسي، فإنه كان من دَأْب العجم.
قوله:(ما كِدْتُ). واخْتُلِفَ في «كاد» في الإيجاب والنفي، والمختار أن شاكلتَه شاكلةُ سائر الأفعال، وحاصلُ قول عمر رضي الله عنه: أنه صلَّى العصر مُنْفَرِدَا بكُلْفَةٍ. ثم في عدد قضاءِ صلوات النبيِّ صلى الله عليه وسلّم يوم الخَنْدَق اختلافٌ، فعند «الصحيحين»: أنه لم تَفُتْهُ إلا العصر. وعند الطحاويِّ: أنه فاتته الظُّهْر والعصر والمغرب، وفي إسناده الإمام الشافعيُّ رحمه الله تعالى، وصحَّحه ابن سيد الناس. فمن اقتصر على حديث «الصحيحين»، قال: إنه وَهمٌ. ومن سَلَكَ طريق الجمعِ بينها، قال كما قال به ابن سيد الناس: إن واقعة الخَنْدَق بقيت أيامًا، فكان هذا في بعض الأيامِ، وهذا في بعض. ثم في عَدِّ المغرب من الفوائت مُسَامحةٌ، فإنها لم تَفُتْهُ، ولكنها أُخِّرت عن وقتها شيئًا، فعبَّره عن الفوات. والحافظ ابن سيد الناس من شيوخ مشايخ الحافظ ابن حَجَر.