يخاف منه الفوات. فأجاب أنه تنام عيناهُ ولا ينامُ قَلْبُه، فلا يخافُ الفواتَ منه إن شاء الله تعالى. ثُم إنَّ صلاتَه صلى الله عليه وسلّم في الليل أيضًا كانت بعد النَوْم، إلا أن مَحَطَّ سؤالِها هو الوِتْرُ فقط.
١١٤٨ - قوله:(وإنَّ عينيَّ تَنَامَانِ) إلخ. وعندي هذه حكايةٌ عن حالته في اليقظة (١) وإن كان الناسُ حَمَلُوها على النوم. أعني أنَّ للأنبياءَ عليهم السلام عند التفاتهم إلى عالم القدس حالةً في اليقظة لا تعبر إلا به كما في «تنوير الحوالك» للسّيوطي رحمه الله في قصة الأَذان عن عبد الله بن زيد: أنه رأى المَلَكَ يؤذِّن بين النوم واليقظة. وسمَّاه نحوًا مِنْ الكشف. وذكر الشيخُ الأكبرُ رحمه الله تعالى أَنَّ ما يراه العوامُ في المنام يراه الأولياء في اليقظة فإذن هو أَمْرُ معنويُّ فهو في حالَي اليقظة والنوم سواء.
وهذه الترجمة أليقُ بأبوابِ الطهارة، إلا أنَّ المصنِّفَ وَضعها في الصلاة لكونه بصدَدِ إثبات تحية الوضوء. ثم إنَّ إدامة الطهور سميت بسلاح المؤمن، لأن الشيطانَ يأنس من النجاسات والألواث، ويَنْقِرُ من الطهارة. ولأنَّ المرءَ يأمن بَعْدَها عن فواتِ الصلاة: باللَّيل والنَّهار. ووَسَّع الشافعيةُ رحمهم الله تعالى فيها حتى أَجازوها في الأوقاتِ المكروهةِ أيضًا.
(١) قال ابن العربي في "العارضة" ص (٢٢٩) ج ٢: (وهذا) بيانٌ لخروجِه - صلى الله عليه وسلم - من جملةِ الآدميين في أن نومَهُ ويقظَتَهُ سواءٌ في حِفْظ حاله، وصيانةِ عبادته. وذلك أن النومَ آفَةٌ يُسَلِّطُهَا اللهُ على العبد يخلعُ فيها السلطنةَ التي للنَّفْس على البدن، فيستريح من خدمتها في أغراضِها ويقطعُ تلك العَلاقة التي بينهما، فيبقى البدن مستريحًا، حتى إذا شاء اللهُ ربط العَلاقة باليقظة، ورَدَّ الاستشعارَ كما كان. فأخْبَر النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أن النومَ إنَّما يَحُل عينه لا قلبه، فإِن أحوالَه محفوظةٌ عنده، لا خصيصةَ خُصَّ بها كما بيناه. اهـ. قلت: لا ريبَ أن القاضي أوْضَحَه على أبْدَعَ وَجْهٍ غير أن ما ذكره الشيخ رحمه الله تعالى أحْسَن منه عندي، فإنه على تقريرِه تندفِعُ عنه الإيراداتُ بأسْرِها من نومه في ليلة التعريس، ونحوه والله أعلم.