للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٥١٠٢ - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الأَشْعَثِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - دَخَلَ عَلَيْهَا وَعِنْدَهَا رَجُلٌ، فَكَأَنَّهُ تَغَيَّرَ وَجْهُهُ، كَأَنَّهُ كَرِهَ ذَلِكَ فَقَالَتْ إِنَّهُ أَخِى. فَقَالَ «انْظُرْنَ مَا إِخْوَانُكُنَّ، فَإِنَّمَا الرَّضَاعَةُ مِنَ الْمَجَاعَةِ». طرفه ٢٦٤٧ - تحفة ١٧٦٥٨

وافق فيه الجمهور وخالف أبا حنيفة. وما أجاب بِه صاحب «الهداية» ههنا فهو رَكِيكٌ جدًا، فإِنه جعل أَثَر عائشة منقصًا للمُدّة، فراجعه، فإِنه ليس تخْصِيصًا، بل يُشْبه النَّسْخ، لأن القرآنَ ذكر فيه العددَ دون العُموم، ليقال: إِنَّ أَثَرها مُخَصِّص. وبحث فيه ابنُ الهُمام في «الفتح»، واختار مَذْهب الصَّاحِبين. وأجاب عنه الزَّمْخَشري أنَّ المرادَ مِن الحمل حَمْلُه على الأيدي، فصار ثلاثونَ شهرًا كلّها مُدَّة الرَّضاعة، وبعدها الفِصال، لأن الولد يُحْمل على الأيدي زَمَنَ الرَّضاعة.

وعندي أَصْل المُدةِ هي سنتانِ كما ظهرت في مسألة حِلّ أَخْذ الأُجرة للأم المُطَلّقة. فما خفي في مُدّة الرَّضاعة انكشف في مُدّة الأُجرة، وسِتّة أشهر من تتمّتها لتمرين الأَكْل. فإِنَّ النصّ لم يخاطِبه بالتمرين في السنتين، وبعدهما لا بد له مِن مُدّة يُمرّن فيها على أَكْل الطعام من النصِّ (١). فعلم أَنَّ السنتين ليستا مِن المدّة التي لا تجوز الزيادةُ عليها، ولو كان كذلك لأخذها الحديثُ، ولدارت عليها الأَحْكام، مع أَنَّا لم نجد لها في عامّة الأحاديث ذِكْرًا، بل أكثرها على شَاكِلةِ قوله: «إنما الرضاعة من المجاعة». فهذا أَقْربُ وأَوْضح القرائن على عَدَم كونها مَدارًا، ولك أن تقول: معناه حَمْلُه ما يكون في الخارج، وفِصَاله ثلاثونَ شهرًا، وإنما أبهم مُدّة الحَمْل لكونها غَيْرُ مُتعيِّنة في الخارج، وقد تكلَّمنا عليه فيما مَرَّ بِوَجْهٍ أبسط من هذا وأوضح، فراجعه.

٢٣ - باب لَبَنِ الْفَحْلِ (٢)

٥١٠٣ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ أَفْلَحَ أَخَا أَبِى الْقُعَيْسِ جَاءَ يَسْتَأْذِنُ عَلَيْهَا - وَهْوَ عَمُّهَا مِنَ


(١) قلتُ: ونظيرُه ما تمسّك محمدٌ به من قوله تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} [البقرة: ١٨٧] على أنَّ الجنابةَ لا تُنافي الصَّوْم، فإِنَّ النصَّ أباح لنا تلك الأشياءَ إلى أوانِ التبيّن، ولم يأمرنا بالامتناع عنها قُبيل التبين مُدَّةً يتمكن فيها الجُنُب من الاغتسال، فَعَلِمنا أنَّ الجنابةَ لا تُنافي الصوم، لأنها تجتمع مع جزء من الصومِ لا محالة. فهكذا أباح لنا الإِرضاعَ إلى سنتين، ولم يأمرنا في تلك المدة بالتمرين، فخرجت مُدّةُ التمرين من ضرورة المقام، لأنها لا بدّ منها، وإنما لم يُعَيِّنها لكونها مختلفةً، ولذا اختلف الأئمة فيها، والله تعالى أعلم بالصواب.
(٢) قال ابنُ العربي: قد استقر الأَمْرُ على التحريم بِلَبن الفَحْل في الأخبار والأمصار، فليس أَحَدٌ يقضي بغيره، وانعقد الإِجماعُ على التحريم به، وهو الحق الذي لا إشكال فيه.

<<  <  ج: ص:  >  >>