للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أيضًا. وأخذ عمرُ زكاتَها، كما بينه الزَّيْلَعي (١). ووجه خفاءِ المسألة فيها أن الخيلَ كانت في عهده صلى الله عليه وسلّم في غاية القِلَّة، حتى لم تكن في بدرٍ إلا ثلاثةُ أفراس، فأين كان لهم ما يَسُومونها للنَّسل حتى تجبَ فيها الزكاة. مع أنَّ المأخوذَ منها ليس في حكم الزكاة عندنا من كل وجه، فله أن يؤدي عن كل فرس دينارًا، أو يقومها، ثم يؤدي عنها زكاتَها بحسبها، بخلاف زكاةِ السوائم، فإن المأخوذَ منها معينٌ من جهة الشرع. وكذا لا يُجبَرُ صاحبُها أن يدفعَ زكاتَها إلى بيت المال، بخلاف زكاة السوائم، فإِنها حقُّه فقط، وليس له أن يدفعها بنفسه.

وبالجملة صارت المسألة فيها كالاجتهاديات، فمتى يردُ لفظُ الصدقة فيها نحملهُ على الزكاة، ويحملونه على التطوع، وهذا هو صنيعنا وصنيعهم في أمثال هذه الأحاديث، وما ذلك إلا لعدم انكشاف الحال.

٤٨ - باب الصَّدَقَةِ عَلَى الْيَتَامَى

١٤٦٥ - حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ هِلَالِ بْنِ أَبِى مَيْمُونَةَ حَدَّثَنَا عَطَاءُ بْنُ يَسَارٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِىَّ - رضى الله عنه - يُحَدِّثُ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - جَلَسَ ذَاتَ يَوْمٍ عَلَى الْمِنْبَرِ وَجَلَسْنَا حَوْلَهُ فَقَالَ «إِنِّى مِمَّا أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِى مَا يُفْتَحُ عَلَيْكُمْ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا وَزِينَتِهَا». فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوَيَأْتِى الْخَيْرُ بِالشَّرِّ فَسَكَتَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - فَقِيلَ لَهُ مَا شَأْنُكَ تُكَلِّمُ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - وَلَا يُكَلِّمُكَ فَرَأَيْنَا أَنَّهُ يُنْزَلُ عَلَيْهِ. قَالَ - فَمَسَحَ عَنْهُ الرُّحَضَاءَ فَقَالَ «أَيْنَ السَّائِلُ» وَكَأَنَّهُ حَمِدَهُ. فَقَالَ «إِنَّهُ لَا يَأْتِى الْخَيْرُ بِالشَّرِّ، وَإِنَّ مِمَّا يُنْبِتُ الرَّبِيعُ يَقْتُلُ أَوْ يُلِمُّ إِلَاّ آكِلَةَ الْخَضْرَاءِ، أَكَلَتْ حَتَّى إِذَا امْتَدَّتْ خَاصِرَتَاهَا اسْتَقْبَلَتْ عَيْنَ الشَّمْسِ، فَثَلَطَتْ وَبَالَتْ وَرَتَعَتْ، وَإِنَّ هَذَا الْمَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ، فَنِعْمَ صَاحِبُ الْمُسْلِمِ مَا أَعْطَى مِنْهُ الْمِسْكِينَ وَالْيَتِيمَ وَابْنَ السَّبِيلِ - أَوْ كَمَا قَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - وَإِنَّهُ مَنْ يَأْخُذُهُ بِغَيْرِ حَقِّهِ كَالَّذِى يَأْكُلُ وَلَا يَشْبَعُ، وَيَكُونُ شَهِيدًا عَلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ». أطرافه ٩٢١، ٢٨٤٢، ٦٤٢٧ - تحفة ٤١٦٦ - ١٥٠/ ٢

وحاصلُ الحديثِ أن الخيرَ لا يترتبُ عليه الشر إذا استعمله بالمعروف، نعم، إن استعمله لا على وجهه أنتجَ الشَّرَّ.

١٤٦٥ - قوله: (ما أعطى منه المسكين) أي ما دام يعطي المساكين من ماله.


(١) وقال أبو عمر بن عبد البر: الخبر في صَدَقة الخيل صحيح عن عمر. ومروان شَاوَرَ الصحابة فروى أبو هريرة قوله - صلى الله عليه وسلم -: "ليس على الرجل في عبدِهِ، ولا في فرسِهِ صدقةٌ" فقال مروان لزيد بن ثابت: يا أبا سعيد، ما تقول؟ فقال أبو هريرة: عجبًا من مروان، أحدِّثه بحديث رسول لله - صلى الله عليه وسلم -، وهو يقول: يا أبا سعيد، فقال زيد: صدق رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وإنما أراد به فرس الغازي. اهـ. ثم قال الزَّيلَعي: ولا يؤخذ من عينِها إلا برضاها، بخلاف سائر المواشي "التبيين".

<<  <  ج: ص:  >  >>