للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

عَلَى ذَلِكَ قَالُوا ابْنُ عُمَرَ. فَدَعَاهُ فَشَهِدَ لأَعْطَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - صُهَيْبًا بَيْتَيْنِ وَحُجْرَةً. فَقَضَى مَرْوَانُ بِشَهَادَتِهِ لَهُمْ. تحفة ٧٢٧٧

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (١)

٣٢ - باب مَا قِيلَ فِى الْعُمْرَى وَالرُّقْبَى

أَعْمَرْتُهُ الدَّارَ فَهْيَ عُمْرَى جَعَلْتُهَا لَهُ. {وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا} [هود: ٦١]: جَعَلَكُمْ عُمَّارًا.


(١) قال القاضي أبو المحاسن في "المعتصر": وروي عن جابر عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: لا تعمروا ولا ترقبوا، فمن أعمر شيئًا، أو أرقبه فهو للوارث إذا مات، وعن ابن عمر مرفوعًا: لا عمرى، ولا رقبى، فمن أعمر شيئًا، أو أرقبه فهو له حياته ومماته، وعنه نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الرقبى، وقال: من أرقب رقبى، فهي له فيه، إن الرقبى تكون لمن أرقبها. وإن الشرط باطل لا معنى له، والمسألة مختلف فيها، فقال أبو حنيفة، ومحمد بن الحسن: هي قول الرجل للرجل: قد جعلت داري هذه رقبى لك، إن مت قبلي، فهي لي، وإن مت قبلك، فهي لك، وهي كالعارية عندهما، وذكر عبد الرحمن بن القاسم جوابًا لأسد، لما سأله عن قوله مالك إن مالكًا لم يعرفها، ففسرها بالتفسير المذكور، فقال: لا خير فيها، والذي ذكرناه عنهما عن مالك ليس بصحيح عندنا، لأنه كان ينبغي لهم أن يجروها مجرى الوصية للمرقب، لأن الوصية كذلك تكون: وقد حكى القاضي أبو الوليد أن مذهب مالك، وأصحابه أنها معتبرة من الثلث، وفي "المدونة" على خلاف هذا التفسير، لذلك قال: لا خير فيها، وقالت طائفة، منهم: الثوري، وأبو يوسف، والشافعي: هي أن يقول: قد ملكتك داري هذه، على أن نتراقب فيها، فإن مت قبلي رجعت إلي، وإن مت قبلك سلمت لك، فيكون التراقب حينئذٍ في الرجوع إلى صاحبها، أو الذي أرقبها، لا في نفس التمليك، فتكون للمرقب غير راجعة إلى المرقب في حال، وهذا أولى القولين، عندنا: ص ٢٥٦ (م)، وفي شرح "الوقاية" ص ٢٨٨، وجازت العمرى للمعمر له، حال حياته، ولورثته بعده، وهي جعل داره له مدة عمره، فإذا مات ترد عليه، أي العمرى جعل الدار له مدة عمره، مع شرط أن المعمر له إذا مات ترد على الواهب، وهذا الشرط باطل، كما جاء به الحديث، وبطل الرقبى، وهي إن مت قبلك فهو لك، والرقبى -اسم من الرقوب- هو الانتظار، فكأنه ينتظر إلى أن يموت المالك، وهي باطلة عند أبي حنيفة، ومحمد، لأنه تعليق التمليك بخطر، وعند أبي يوسف تصح، لأنه قوله: داري لك رقبى، أي داري لك، وأنا أنتظر موتك لتعود إلي، فتصح، ويبطل الشرط، كالعمرى، فالاختلاف مبني على تفسيرها، قال المحشي: اعلم أن في تفسير الرقبى اختلاف، واختلاف، التفسير يرجع إلى الاختلاف في الحكم، فقال أبو حنيفة: الرقبى، أي داري لك حال حياتك، وأما بعد موتك فهي لي، باطلة لما رواه ابن ماجة، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا رقبى، فمن أرقب شيئًا فهو له حياته ومماته، وزعم أبو يوسف أنه كعمرى، تفسيرًا وحكمًا، وله حديث رواه ابن ماجة، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: العمرى جائزة لمن أعمرها، والرقبى جائزة لمن أرقبها، ففي الحقيقة لا اختلاف، أي باعتبار تفسيره، وفي الظاهر اختلاف، أي باعتبار لفظه.
وفي حاشية "الكنز" اعلم أن الخلاف بينهما، وبين أبي يوسف لفظي، فقول أبي يوسف: تجوز الرقبى بناء على أنها تمليك للحال، واشتراط الاسترداد بعده عدة، وقولهما بعدم صحة الرقبى بناء على أن التمليك مضاف إلى زمان، فلا يصح لعدم التمليك، كذا في "الدر" فحاصلة أنه متى وجد التمليك في الحال، واشترط الرد في المآل يجوز بالإِجماع لما بينها، أن الهبة لا تبطل بالشرط، بل الشرط يبطل، ومتى كان التمليك مضافًا إلى زمان في المستقبل، لا يجوز بالإجماع، فكان الخلاف مبنيًا على تفسير الرقبى، فمن قال: إنه تمليك في الحال أجازه، ومن قال: إنه مضاف لم يجزه: وبالجملة قد ورد في "العمرى، والرقبى" أخبار كثيرة بعضها بالمنع، وبعضها بالجواز، وبالحمل على ما حملناه يحصل التوفيق، كذا في "الزيلعي" اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>