للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

(وأحيانًا يتمثل) ... إلخ إشارة إلى النوع الثالث. ولعل العسر لو كان فيه لكان على جبريل عليه السلام، بعكس ما في الأول، لأنه هو التاركُ لصورته الأصلية، والنازلُ إلى الصورة البشرية، وترك النَّشأة هو الموجب للعسر والشدة. وإنما لم يذكر الثالث لنَدْرَته وكونه مخصوصًا في الإسراء. فإن قيل: كيف تَمثُّلُه مع عِظَمِ جُثَّته؟ قلت: هذا أمر لا ندخل فيه، ونؤمن حقًا بما أخبر به نبينا صلى الله عليه وسلّم وهو كقوله تعالى: {فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا} [مريم: ١٧].

وسئل إمام الحرمين عنه في الطواف، فأجاب بما تفصيله من «الفتوحات»: إن الأرواح على نوعين: طيبة، وخبيثة. فالأُولى: الملائكة، والثانية: الجِنّ، ثم جعل الشيخ رحمه الله الملائكة، والشياطين، والنفوس الناطقة الإنسانية عالمًا برأسه. وسمّاه: عالم الأرواح، وقال: إن أشياء هذا العالم تتمكن أن تتصور بصور متنوعة، وتتشكَّل بأشكالٍ مختلفة، وتَكْبُر ما كانت صغيرةً، وتَصْغُر ما كانت كبيرةً، بلا زيادة أمر ونقصانه، بخلاف الأجساد، فإنها لا تتمكن أن تتغير بتلك التغيرُّات، وهذه المسألة تسمى اليوم: بتجسد الأرواح، وتروُّح الأجساد.

قلتُ: وهكذا قال الصدر الشِّيرازي، وهو صوفي شيعي لا يَسُبُّ الصحابة رضي الله عنهم، ولكنه يُسيىء الأدب في شأن الأشعري والرازي، وذكر أن أرواح المرتاحين رضي الله عنهم، تقدر على ذلك. قلتُ: ولا أعلم أحدًا من علماء الإسلام قال بتشكّل أرواح الإنسان غير الشيخ الأكبر (١).

(فأعي ما يقول وقوله: (وعَيْتُ) يدلّ الثاني على الفهم مع الصوت، والأول على الفهم بعده، كما هو الطريق المعروف عند مخاطبة رجل برجل. والفرق ما أشرنا إليه. (لَيَتَفَصَّدُ) مأخوذ من الفَصْد: وهو قَطْع العِرق لإسالة الدَّم. شُبِّه جبينُه بالعِرْقِ المفصود مبالغةً في كثرة العَرَق. وفي قولها بيان لما رأته من الشدة، ودَلالة على كثرة معاناة التَّعب، لما في العَرَق في شِدَّة البرد من مخالفة العادة. وقد وردت في بيان نقله أخبار، فلتُطْلَب من مواضعها. والله تعالى أعلم.

[٣ - باب]

٣ - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا قَالَتْ أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنَ الْوَحْىِ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ فِى النَّوْمِ، فَكَانَ لَا يَرَى رُؤْيَا إِلَاّ جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ، ثُمَّ حُبِّبَ إِلَيْهِ الْخَلَاءُ، وَكَانَ يَخْلُو بِغَارِ حِرَاءٍ فَيَتَحَنَّثُ فِيهِ - وَهُوَ التَّعَبُّدُ - اللَّيَالِىَ ذَوَاتِ الْعَدَدِ قَبْلَ أَنْ يَنْزِعَ إِلَى أَهْلِهِ، وَيَتَزَوَّدُ لِذَلِكَ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى خَدِيجَةَ، فَيَتَزَوَّدُ لِمِثْلِهَا، حَتَّى جَاءَهُ الْحَقُّ وَهُوَ فِى غَارِ حِرَاءٍ، فَجَاءَهُ الْمَلَكُ فَقَالَ اقْرَأْ. قَالَ «مَا أَنَا بِقَارِئٍ». قَالَ «فَأَخَذَنِى


(١) قلت وفي نسخة الإنجيل الموجودة بأيدينا أن عيسى عليه الصلاة والسلام كانت تتبدل صورته في أبصارهم وأعينهم وما ذاك إلا لغلبة الروحانية ومنه سمي روح الله -والله تعالى أعلم بالصواب-.

<<  <  ج: ص:  >  >>