للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ولا تَصِح الجمعةُ عند الشافعي رحمه الله تعالى إلا إذا كان القومُ أربعين رجلا. وعندنا تَنْعَقِدُ بأربعةٍ مع الإِمام. وفي رواية: بثلاثة، فإن نفروا بعد التحريمة فهل يتم ظهرًا أو جمعة؟ راجِعْهُ في الفقه.

قوله: ({وَتَرَكُوكَ قَائِمًا}) [الجمعة: ١١] فإن قلت: كيف وهم أتقى الناسِ في الأَرَضِين وأزهدُهم بعد الأنبياء والمرسلين؟ قلتُ: والجواب كما في «التوشيح» للسيوطي (١): أن الخُطبة في الجمعة كانت على شاكلة العيدين بعد الصلاة، ثم قدِّمت عليها. فلعلهم حَمَلوا استماعَها على الاستحباب، وظَنُّوه كسائر الخُطَبِ، ولم يَرَوْهُ عزيمةً عليهم، ولا سيما إذا كان عند النَّسائي: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلّم كان ينادي بعد العيدين أَنْ: «مَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَمْكُثَ فَلْيَمْكُث، وَمَنْ شاء أن يذهبَ فليذهب». وتَرَدَّد فيه الحفاظُ فَدَلَّ على التوسيع في خطبة العيدين. وفي «الدرُّ المختار». أن استماع جميع الخطب واجب.

قلتُ: ولا يناسِبُ هذا التوسيع، بل ينبغي أن يُفَصَّل في الأمر. أما قوله في البخاري: «ونحن نصلِّي»، فهو على نحو تجوُّز من تعبيرِ سِلسلةِ الشيء بالشيء نفسه، فأطلق الصلاة على ما بقي من متعَلَّقات الصلاة. وهذا كما أنك تقول: اذهب للصلاة، مع أن الإمام لَمَّا يَخْطُب بعد. وذلك لأنك تَعُد الخُطْبَةَ والصلاةَ والدعاءَ كلَّها صلاةً لكونِها في سلسلةِ تسميةٍ للمجموع باسم العُمدة فيه. فلما كانت الصلاةُ هي المقصودةَ، والخطبةُ قبلها والدعاءُ بعدها من متعَلَّقاتِهَا، عَبَّروا عن المجموع بالصلاة. ولا يقولُ من أَهْل العُرْف واحدٌ منهم إنه يذهبُ للخُطبة. ثم للصلاة. ثم الدعاء مَثَلا، ولكنهم يعبِّرُون بالصلاة. فهذا هو الوجه في تصحيح ذلك المقال، فدع عنك القيل والقال.

قوله: ({وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا}) [الجمعة: ١١] وإنما سُمِّي لهوًا عتابًا. قالوا: ومِنْ هؤلاء الاثني عَشَر العشرةُ المُبشَّرَةُ.

[فائدة]

قال شيخنا مولانا شيخ الهند: إنَّ الكلام كُلَّما صدَر من عظيم ازداد تَطَرّقَا للمجاز. قلتُ: بل كلامُ كلِّ عظيمٍ يحتوي على علومٍ كثيرة، ولذا تجِدُ الفَرْق بين القرآن والحديث. فكلامُ العظيم أَشْمَلُ، وكلامُ الأوساط أَصْرَح، لأن كلامَهم يكون منسلِخًا من علومٍ عديدة. فينزل إلى الصَّراحة لا محالة. ولذا ترى الناس يتناولون تصانيف الأَقْرَبَ فالأَقْرب بزمانهم، لأنه يكون أَشْبَهَ بذوقهم. ولذا أقول: إن مرادَ اللفظ لا يتعيَّنُ إلا بالتعامل، فإنه يَخْلُص به المرادُ، ويتميز


(١) قلت: ولعل الصواب تفسيرُ "الاتقان"، ولكن الكتابين لم يكونا عندي حين تسويد هذه الأوراق فدونك نَقْله من تفسير "الجواهر الحسان" حيث قال: وفي "مراسيل" أبي داود ذكَر السبب الذي من أجله ترخصوا، فقال: إنَّ الخطبةَ يومَ الجمعة كانت بعد الصلاة، فتأولوا رضي الله تعالى عنهم أَنهم قد قضوا ما عليهم فَحُوِّلت الخطبة بعد ذلك قبل الصلاة. فهذا الحديث وإِن كان مُرْسلًا فالظن الجميلُ بأصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - يوجِب أن يكون صحيحًا، والله تعالى أَعلم اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>