محملا للحديث، لأن المعروفَ في البيوع هو الإِطلاق، أما التركُ والقطعُ فمفروضان، وحَمْلُه على المعروف أَوْلَى من حمله على المفروض.
قال صاحبُ «الهداية»: إن باعه بشرط الإِطلاق، وأجاز بعده بالترك، طاب الفَضْل للمشتري. وقال الشاميُّ: إنما يَطِيبُ له ذلك إذا لم يكن التركُ مشروطًا في العقد، ولا معروفًا بين الناس، وإلا فالمعروف كالمشروط.
قلتُ: وتفصيل الشاميِّ ليس بمختارٍ عندي، فيجوز له الفَضْلُ، وإن كان الترك معروفًا، ولا يكون كالمشروط. وإنما دعاني إلى ترك تفصيله ما حرَّره ابن الهُمَام في ذيل سؤالٍ وجوابٍ من هذا المقام. ويَظْهَرُ منه كونه طيبًا بدون فصلٍ، فراجعه من هذا الباب. وكذا نقل الحافظُ ابن تَيْمِيَة، عن أبي حنيفة في «فتاواه» ما حاصله ما في «الهداية»، فتفصيلُ الشاميِّ غيرُ مختارٍ عندي.
والحاصلُ: أن الشرطَ إذا لم يكن في العقد، ولم يأْمُرْه البائعُ بالقطع طاب له تركه، سواء كان معروفًا أو لا. ولا ألتفتُ إلى ما قاله الشاميُّ: إن المعروفَ كالمشروط بعد ما وجدتُ روايةً عن الإِمام عند الحافظ ابن تيمية في «فتاواه». والله تعالى أعلم (١).
(١) قلتُ: وفي مذكرةٍ للشيخ ما نصُّه: أحاديثُ النهي عن بيع الثمار قبل بُدُوِّ الصلاح يمكن أن تُحْمَلَ على مطلق البيع، لا على السَّلَم عند الحنفية أيضًا بادِّعاء أن العادةَ لم تَجْرِ ببيعها بعد البُدُوِّ. وُيوَافِقُهُ حينئذٍ قول زيد: "كالمَشُورَةِ"، يُشِيرُ بها لكثرة خصومتهم عند البخاري وإن لم يُلَائمه فعله المذكور هناك. ويكون النهيُ عن الإِبقاء، ولا إبقاءَ بعد البُدُوِّ معتبرٌ، إذ هو في صدد الجُذَاذ. ثم رأيتُ في "فتاوى ابن تيمية" وما يتعلَّق به، و"الأم": وعليه فالمحمل حملها على البيع إطلاقًا لا بشرط الإِبقاء، والمثار الجائحة، ولا تكون بعد بُدُوِّ الصلاح. وحمل في "العُمْدَة" على محمل آخرَ، فراجع "حاشية الصحيح". وإلى ما ذَكَرْنا جَنَحَ البخاريُّ، كما في الفتح وقرَّره في "الفتح".