الحافظ العيني رحمه الله تعالى أطال الكلامَ ههنا وقال: إنه ليس فيه تخيير للأولياء، بل فيه تعريضٌ لهم بالأخذ بالأحسنِ والأصلح، ومراده أن خذوا بما كان أحسنَ وأصلح أما إنه خيرهم مستقلًا أو برضا القاتل؟ فإنه أمرٌ بمعزلٍ عن الحديث. وراجع كلامه إن شئت.
قوله:(إلا الإذخر) وهو نوع من النبات مرجياكند وفي الفنجابى كترن بالنصب على الاستثناء. وعند ابن مالك يجوز الرفع أيضًا، وتقديره إلا الإذخر فإنه مُستثنى، وحينئذٍ المستثنى جملة كما في قوله تعالى: {فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (٢٦) إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ} [الجن: ٢٦ - ٢٧] وبه يندفع الإشكال عن الآية. وقد مر الكلام عليها. ولعل إجازته واستثناؤه بالوحي.
وليعلم أن تلكَ الصحيفة كانت عند أبي بكر رضي الله عنه، ثم عند عمر رضي الله عنه كما عند الترمذي في الزكاة وكانت في قِرَاب السيف، وكانت فيها أحكام الزكاة كما في البخاري أيضًا. وفي «مصنف ابن أبي شيبة» بإسناد جيد، يدل على أنها كانت فيها مسائل الزكاة على وفق مذهب الحنفية، إلا أن الحافظ لما جمعَ أحكام تلك الصحيفة أغمضَ عن تلك المسائل ولم يلتفت إليها، فعفى الله عنه حيث أخفى شيئًا كان فيه منفعةٌ للحنفية. ثم هذا من دأبي القديم أني إذا أجدُ أمرًا في البخاري ولو كان مُجملًا، ثم أجد تفصيلُهُ في غيره أضيفُ ذلك التفصيلَ إليه، وعلى هذا ادَّعى أن مذهبَ الحنفية في باب زكاة الإبل ثابتٌ من البخاري.
١١٤ - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ حَدَّثَنِى ابْنُ وَهْبٍ قَالَ أَخْبَرَنِى يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ لَمَّا اشْتَدَّ بِالنَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - وَجَعُهُ قَالَ «ائْتُونِى بِكِتَابٍ أَكْتُبُ لَكُمْ كِتَابًا لَا تَضِلُّوا بَعْدَهُ». قَالَ عُمَرُ إِنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - غَلَبَهُ الْوَجَعُ وَعِنْدَنَا كِتَابُ اللَّهِ حَسْبُنَا فَاخْتَلَفُوا وَكَثُرَ اللَّغَطُ. قَالَ «قُومُوا عَنِّى، وَلَا يَنْبَغِى عِنْدِى التَّنَازُعُ». فَخَرَجَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ إِنَّ الرَّزِيَّةَ كُلَّ الرَّزِيَّةِ مَا حَالَ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَبَيْنَ كِتَابِهِ. أطرافه ٣٠٥٣، ٣١٦٨، ٤٤٣١، ٤٤٣٢، ٥٦٦٩، ٧٣٦٦ - تحفة ٥٨٤١
١١٤ - قوله:(فخرج) ولعل خروجه فيما بعد، لا عند واقعة القُرِطاس، لأن ابن عباس لم يكن هناك كما عند البخاري في موضع آخر، كأن يقول ابن عباس رضي الله عنه ... إلخ. وهو الصواب فالمرادُ من الخروج ههنا خروجُه إلى تلامذته، وهذا وإن كان خلافَ الظاهر لكنه يجبُ المصيرُ إليه.