للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

العِبْرَةَ للمعنى دون اللفظ المجرَّد. قلتُ: رُبَّ أحكام تُبْنَى على ألفاظ القرآن أيضًا، فألفاظُه ليست مطروحةً، فإِطلاقُ الركوع على السجود يُتِم الاستدلال.

قوله: ({فَطَفِقَ مَسْحًا}) يَمْسَحُ أَعْرَافَ الخيل وعراقيبها. ولم يَصِحَّ ما نُقِلَ من ذبح الخيل، فلا علينا أن لا نُسَلِّمَهُ، مع أن فيه إضاعةُ المال، وذَبْحُ الحيوان. والأَوْلَى أن يُقْتَصَرَ على لفظ القرآن، وليس فيه إلَّا المسح. والظاهرُ أنه كان شفقةً، فإن صاحبَ الخيل إذا أَحَبَّهَا مَسَحَ نواصيها، وأكفالَها، وأَعْرَافَها.

قوله: ({وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا}) ... إلخ، وفسَّره المصنِّفُ بالشيطان، وهو غَلَطٌ صريحٌ. والسِّرُّ في ذلك: أن المصنِّفَ دوَّن تفسيرَه من كتاب أبي عُبَيْدَة، فاحتوى كتابه أيضًا على ما كان في كتابه من الأقوال المرجوحة. ويُمْكِنُ تأويله: أن اللهَ سبحانه ألقاه على كُرْسِيِّهِ، لإِراءته أنه ليس في يده شيءٌ، كما أنه أَدْخَلَ المُتَخَاصِمَيْن في بيت داود عليه الصلاة والسلام، فتحيَّر منه. وأمَّا ما وراء ذلك، فكلُّه كَذِبٌ لا أصلَ له. ولئن سلَّمناه، فلعلَّه كان جَسِمًا مثاليًا، أُرِيَ بطريقٍ عارضيٍّ. قال الشيخُ الأكبرُ: إن الجسمَ يُقَالُ للجسم الناسوتي، والجسد للبدن المثالي (١)، فلعلَّه كان بدنًا مثاليًا لجنٍّ. والله تعالى أعلم.

٣٤٢٧ - قوله: (ائْتُوني بالسِّكِّين أَشُقُّهُ بَينَهُمَا). وأنت تَعْلمُ أنه لم يَكُنْ من نيَّته الشقُّ في الواقع، وإنما أَرَادَ منه التبيُّن، والاختبار. فلا يُقَالُ لمثله: كَذِبٌ، فهذا نوعٌ من الكلام، كما مرَّ التنبيه عليه.

٤٢ - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (٣٠)} الرَّاجِعُ الْمُنِيبُ

وقَوْلِهِ: {وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي} [ص: ٣٥]، وَقَوْلِهِ: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ} [البقرة: ١٠٢]. {وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ} أَذَبْنَا لَهُ عَينَ الحَدِيدِ {وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ} إِلَى قَوْلِهِ: {مِنْ مَحَارِيبَ} [سبأ: ١٢ - ١٣] قالَ مُجَاهِدٌ: بُنْيَانٌ ما دُون القُصُورِ {وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ} كالحِيَاضِ لِلإِبِلِ، وَقالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كالجَوْبَةِ مِنَ الأَرْضِ {وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ} إِلَى قَوْلِهِ: {الشَّكُورُ} [سبأ: ١٣] {فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ} الأَرَضَةُ {تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ} عَصَاهُ، {فَلَمَّا خَرَّ} إِلَى قَوْلِهِ: {الْمُهِينِ} [سبأ: ١٤] {حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ


(١) قلتُ: واختار الشيخُ العينيُّ أيضًا ما ذَكَرَهُ الشيخُ، ثم قال: وُيؤَيِّدُهُ ما قاله الخليل: لا يُقَالُ الجسدُ لغير الإِنسان من خَلْقِ الأرض. اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>