أحال الفَصْل إلى الناظرين ولم يترجم بشيءٍ، وذَكَر مادته فقط.
١٣٨٦ - قوله:(والصِّبْيانُ حَوْلَه فأولادُ النَّاس) ومِن هنا فَهِم الحافظُ أَنَّ البخاريَّ رحمه الله تعالى اختارَ النجاة، لأَنَّ أولادَ الناس الذين حَوْلَه لا يكونون إِلا مَنْ هو ناج.
أقول: وفي لفظٍ آخَر من هذه الرواية: أنَّ هؤلاء الصبيانَ كانوا بعضَهم لا كُلَّهم. فلم تثبتِ النجاةُ مطلقًا، ولا كلام في نجاةِ البعض، وإنَّما الكلامُ في نجاة الكَلِّ. وذا يْثبُتُ لو ثَبَت كونُ مَنْ حوله كلَّهم، ولم يثبت.
١٣٨٦ - قوله:(ويَلْتَئِم شِدْقُهُ) وهكذا يَصْنع به إلى القيامة. وهو معنى قوله:«خالدًا مخلدًا» على ما مر معنا تحقِيقه ولم يدركِ الناسُّ مرادَه فاضطروا إلى إِعلالٍ وتأويلٍ.
[فائدة]
واعلم أَنَّ أَقْربَ نظيرٍ لِعذابِ القَبْر عندي ما يحُسُّه المرء في رؤياه. والعذاب اسمٌ لنَوْعٍ مِن الإِدراك والإِحساس، ولا يكون إِلا حِسِّيًا في العالم الّذي يكون فيه. فإِنَّ ما يراه صاحبُ الرؤيا فهو حسيٌّ في حقه وإن لم يكن في حقِّنا. كذلك العذابُ أيضًا حسيٌّ في حقِّ مَنْ يعذِّب وإنْ لم يكن في حَقِّ مَنْ هو ليس في عالِمه. لا أريد به أن العذابَ خياليٌّ فقط، فإِنَّه زندقةٌ وإِلحاد، ونعوذُ بالله العظيم من الزَّيْغ وسوءِ الفَهْم.
١٣٨٦ - قوله:(شَيْخٌ وصِبْيانٌ). قلت: ولا دليلَ فيه على الاستغراقِ مع التصريح بلفظ: «أَكَثْرَ الصِّبْيان» في هذه الرواية بعينها. وهل أَدْرَكْت مرادَه؟ فأسمع: إنّ معناه أَني رأيتُ عنده من الصِّبيان ما لم أَرَ مِثْلَهم في موضِعٍ من تَطْوافي هذا. وقد فَهِمه الطِّيبيُّ ولم يُدْرِكه الحافظ رحمه الله تعالى، وإنَّما كان هؤلاء عندَه لكونهم على الفِطْرَةِ. ولإِبراهيمَ عليه الصلاة والسلام مزيدُ اختصاصٍ بها، حتى يقال للحنفية دينُ الفِطْرة، أَلا ترى أنه كيف أجاب أباه «آزَرَ» مِن فطرتِه مع كونِه صبيًا إذ ذاك. فلما ظهرَ له مزيدُ اختصاص بالفِطْرة ناسبَ أن يكونَ مَنْ ماتوا على الفطرةِ عنده.