للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

عَنْ سَالِمٍ أَبِى النَّضْرِ عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - اتَّخَذَ حُجْرَةً - قَالَ حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ - مِنْ حَصِيرٍ فِى رَمَضَانَ فَصَلَّى فِيهَا لَيَالِىَ، فَصَلَّى بِصَلَاتِهِ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَلَمَّا عَلِمَ بِهِمْ جَعَلَ يَقْعُدُ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ «قَدْ عَرَفْتُ الَّذِى رَأَيْتُ مِنْ صَنِيعِكُمْ، فَصَلُّوا أَيُّهَا النَّاسُ فِى بُيُوتِكُمْ، فَإِنَّ أَفْضَلَ الصَّلَاةِ صَلَاةُ الْمَرْءِ فِى بَيْتِهِ إِلَاّ الْمَكْتُوبَةَ». قَالَ عَفَّانُ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ حَدَّثَنَا مُوسَى سَمِعْتُ أَبَا النَّضْرِ عَنْ بُسْرٍ عَنْ زَيْدٍ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم -. تحفة ٣٦٩٨

٧٣١ - قوله: (فإِن أفضلَ صلاة المَرْءِ في بيته إلا المكتوبةَ). والحاصل: أن الشريعةَ لا تُحِبُّ التطوعَ في المساجد، والمكتوبات في البيوت.

وأعلم أن مختار الطَّحَاوِيِّ في التراويح: أن الرجل إن كان حافظًا، فالأفضل له أن يُصَلِّي في البيت، وإلا ففي المسجد، وفي «الهداية»: أن السننَ عامةٌ في البيت، ولا أرى سنةَ الفجر ثابتةً عن النبيِّ صلى الله عليه وسلّم في المسجد. وأتى الحافظ زين الدين العراقي شيخ ابن حَجَر والعَيْنِي رحمهما الله تعالى - برواية تَدُلُّ على أن نسبة أجر الفَضْل في البيت والمسجد لنِسْبَة صلاة الجماعة والفرد - بالمعنى - وإسناده جيدٌ.

٨٢ - باب إِيجَابِ التَّكْبِيرِ وَافْتِتَاحِ (١) الصَّلَاةِ

٧٣٢ - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِىِّ قَالَ أَخْبَرَنِى أَنَسُ بْنُ


(١) واعلم أن قوله - صلى الله عليه وسلم -: "تحريمها التكبير، وتحليلها التسليم"، وفي لفظ: "إحرامها التكبير، يُنَادي بأعلى نداءٍ: أن الصلاة شَبَهًا بالحجِّ، حتى أنه جعل لها إحرامًا كالحج، وتحليلًا نحوه، وقد أدرك الإمام أبو حنيفة رحمه الله تعالى سرَّ التشبيه فيه بما لا يُدْرِكُهُ الآخرون، فَعَرَف أن للحج بداية، وهي بصُنْع الحاجِّ، أي الإِحرام. وكذلك له نهاية، وهي أيضًا بصنعه، أي الذبح والحلق مثلًا المحظورين في خلال الإحرام، فصار طرفا الدُّخُول والخُرُوج بصنع الحاجِّ، فلمَّا عُلِمَ أن المقصودَ في الحجِّ ذلك، طَرَدَهُ في الصلاة كذلك.
وتفصيله: أن العبدَ إذا دَخَلَ في حَريم بيت ربه الكريم، فالمقصود منه أن تكونَ أوقاته كلُّها مُسْتَغرَقَة في عبادته ويتوجَّه إليه بشراشِرِه مُعْرِضًا عن غيره، صَارخًا بقوله: لبيك اللهم لبيك، ولذا مَنَعَه عمَّا يملأ قلبَه شُغلًا، وخاطرَه تَشَتُّتًا. غير أن الخروجَ عن تلك العُهْدةِ عسيرٌ، فجعله بيد العبد ليَقْدِرَ قدره ويعلم أمره، ولئلا تَخْتَل عليه مقاصده، ثم لمَّا رآه ضعيفا خُلِقَ من ضَعْفٍ، لا يمكن له البقاء على هذا الحال، والدوام على ذلك المنوال، أَخرَجَ له مَخرجًا، وشرع له الإتيان بتلك المحظورات بعينها، ولم يَرَها عند الخروج جناية، مع كونها قبل ذلك محظورة، بل جعلها مَنْسَكًا. ثم تلك الجنايات أيضًا بصُنعِه، فصار بداية الحج ونهايته كلتاهما من صُنعِه ليَخرُج منه بفعله وخِيَرَتِه كما كان دَخَل فيه كذلك.
ولمَّا كانت الصلاة شبيهة بالحج، جَعَلَ حكمها أيضًا كحكمه، وجعل الدُّخُولَ فيها والخروجَ عنها اختياريين حسبهما في الحج، وأمره أن يؤدِّي ذلك الفعل الاختياري في ضمن التكبير، وكذلك أمره أن يَخرُجَ عنها أيضًا بفعله الاختياري، ويؤديه في ضمن التسليم، ومعلومٌ أن هذا التسليم كان من كلام الناس مفسدًا لصلاته، غير أنه لمَّا مكنه بالخروج، شَرَعَ له هذا المحظور بعينه، كما في الحج، وإنما علَّمه التسليم دون سائر الأفعال الاختيارية، ليكون خروجه عنها على أحسن هيئةٍ، وأحسن قول يلِيق بشأنه كما أمره: أولًا أن يأتي بتكبير الله تعالى، وتعظيمه المناسب عند ذهابه إلى حضرة كبريائه.

<<  <  ج: ص:  >  >>