وتفصيله: أن العبدَ إذا دَخَلَ في حَريم بيت ربه الكريم، فالمقصود منه أن تكونَ أوقاته كلُّها مُسْتَغرَقَة في عبادته ويتوجَّه إليه بشراشِرِه مُعْرِضًا عن غيره، صَارخًا بقوله: لبيك اللهم لبيك، ولذا مَنَعَه عمَّا يملأ قلبَه شُغلًا، وخاطرَه تَشَتُّتًا. غير أن الخروجَ عن تلك العُهْدةِ عسيرٌ، فجعله بيد العبد ليَقْدِرَ قدره ويعلم أمره، ولئلا تَخْتَل عليه مقاصده، ثم لمَّا رآه ضعيفا خُلِقَ من ضَعْفٍ، لا يمكن له البقاء على هذا الحال، والدوام على ذلك المنوال، أَخرَجَ له مَخرجًا، وشرع له الإتيان بتلك المحظورات بعينها، ولم يَرَها عند الخروج جناية، مع كونها قبل ذلك محظورة، بل جعلها مَنْسَكًا. ثم تلك الجنايات أيضًا بصُنعِه، فصار بداية الحج ونهايته كلتاهما من صُنعِه ليَخرُج منه بفعله وخِيَرَتِه كما كان دَخَل فيه كذلك. ولمَّا كانت الصلاة شبيهة بالحج، جَعَلَ حكمها أيضًا كحكمه، وجعل الدُّخُولَ فيها والخروجَ عنها اختياريين حسبهما في الحج، وأمره أن يؤدِّي ذلك الفعل الاختياري في ضمن التكبير، وكذلك أمره أن يَخرُجَ عنها أيضًا بفعله الاختياري، ويؤديه في ضمن التسليم، ومعلومٌ أن هذا التسليم كان من كلام الناس مفسدًا لصلاته، غير أنه لمَّا مكنه بالخروج، شَرَعَ له هذا المحظور بعينه، كما في الحج، وإنما علَّمه التسليم دون سائر الأفعال الاختيارية، ليكون خروجه عنها على أحسن هيئةٍ، وأحسن قول يلِيق بشأنه كما أمره: أولًا أن يأتي بتكبير الله تعالى، وتعظيمه المناسب عند ذهابه إلى حضرة كبريائه.