ألا ترى أَنَّ رَفْعَ اليدين إذا ثبت في العيدين خاصًا، أخذه الحنفية ولم يتركوه بالعمومات، وهكذا إذا ثبت البيع بما ليس عندك في السَّلَم اختاروه ولم يأخذوا بالعمومات، وهذا غير قليل في الأحاديث.
ثم إنَّ جماعة من الأشاعرة ذهبوا إلى أنَّ الدليل اللفظي لا يفيد القطع أصلا، وذهب الماتُرِيديَّة إلى خلافِهِ وقالوا: يمكن أَنْ يُفيدَ القطعَ؛ وكَتَب الرازي في «تفسيره» أنَّ الدَّليلَ اللفظي وإنْ تواتر في النَّقَلِ لكنَّه لا يمكن أَنْ يكونَ قطعيًا في الدَّلالة، لعدم انقطاع الاحتمالات عنه، وصَرَّحَ في «المحصول» بخلافِهِ، وقال: إنَّه يمكن أَنْ يُفيد القَطع. فلعلَّ ما في «الكبير» باعتبارِ الأغلب والأكثر، وبَحَثَ فيه صدر الشريعة أيضًا، ولعلَّه بَلَغَهُ إنكارُ الأشاعرةِ القَطْعَ، فإِذَا عَلِمْتَ أَنَّهم ترددوا في إفادة نفس الدَّلِيل اللفظي القَطْعَ فكيف بِقَطْعِيةِ العام. ولا غَرْوَ أنْ يكونَ خلافُهم في تلك المسألةِ مؤثِّرَا في قَطْعِيَّة العام وظنيته أيضًا، ومع هذا أقول: إنَّه قد يَبْقَى العام على عمومه، كما في الدعاء والنذر، فإن المشي فيهما يكون على الألفاظ، ولا بَحْث عن كون المدعو عليه أهلا له أو لا، فكل موضع يكون المشي فيه على الألفاظِ يُترك فيه العامُ على عمومه.
ولذَا نَهَى في «المشكاة» عن الدعاء على الأولادِ لئلا يُوافِقَ ساعةً من ساعاتِ الإجابة، فيسْتَجِيب له ويَمْضِي دعاءَهُ على ظَاهِرِهِ مع أنَّه لا يريدُه، ومِنْ هذا الباب دعاءُ سليمان عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ، ولذا لم يَرْبِطْه النَّبي صلى الله عليه وسلّم إبقاءٍ لدعاءه على عمومه، ولو رَبَطَهُ لما خالف دعاءَه حقيقة إلا أنَّهُ أحبَّ أن يُجْزِيهِ على عُمومِهِ على دَأْبِ سائرِ الأدعية، والله تعالى أعلم. وراجع تحقيقه من المواقف.