للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

١٠٠ - باب شِرَاءِ الْمَمْلُوكِ مِنَ الْحَرْبِىِّ وَهِبَتِهِ وَعِتْقِهِ

وَقَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - لِسَلْمَانَ كَاتِبْ. وَكَانَ حُرًّا فَظَلَمُوهُ وَبَاعُوهُ. وَسُبِىَ عَمَّارٌ وَصُهَيْبٌ وَبِلَالٌ، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (٧١)} [النحل: ٧١].

وفيه مسألتان: الأولى: أن العبدَ هل يُمْكِنُ أن يكونَ تحت مُشْرِكٍ، فإن الظاهرَ يأباه، فإنه يكونُ بإِيجاف الخيل عليهم وأَسْرِهِمْ، وإحْرَازِهم إلى دار الإِسلام، ولا يُتَصَوَّرُ ذلك فيهم. نعم يُمْكِنُ ذلك فيهم بطريق الغَصْب، ونحوه.

والثانيةُ أنه هل يَجُوزُ الشراء منه، وهل يَصْحُّ مْلْكُه عليه. واعلم أنه لا استرقاقَ في رجال العرب عند أبي حنيفة، وليس فيهم إلا السيف، أو الإِسلام. فإن ارتدَّ أحدٌ منهم، فهو واجبُ القتل. نعم يجوز استرقاق ذُرِّيَّتهم (١). ولا يَظْهَرُ ممَّا نَقَلَهُ البخاريُّ من القصة جواز الاسترقاق المُخْتَلَفِ فيه. فإن مسألة الإِمام الأعظم فيما بعد الدورة الإِسلامية، وتلك قصةٌ ممن سَبَقَ قبلها، فلا حُجَّةَ فيها علينا.

قوله: (وقال النبيُّ صلى الله عليه وسلّم لسَلْمَان: كَاتِبْ، وكان حُرًّا، فَظَلَمُوه وباعُوه) اهـ. وعند البخاريِّ عن سلمان: «أنه تَدَاوَلُه بضعة عشرة من ربًّ إلى ربًّ، اهـ. وأنه لقي وصيَّ عيسى عليه الصلاة والسلام أيضًا، وذلك لأن زمن الفترة بين النبيِّ صلى الله عليه وسلّم وبين عيسى عليه الصلاة والسلام خمس مئة وسبعون سنة - ٥٧٠ - على حساب التوراة، فعاش ذلك الوصيِّ إلى زمنٍ طويلٍ بعده عليه الصلاة والسلام، وعمر سَلْمَان كان مائتان وخمسون سنة، فَحَصَل اللقاء لطول العمرين. وكان سلمان يَسِيحُ في الأرض لطلب دين الله حتى أُسِرَ، وجُعِلَ رقيقًا قبل مبعثه صلى الله عليه وسلّم ثم كان من أمره، كما في «شمائل الترمذي»، فإنه جاءه أول يومٍ بصدقةٍ، فلم يَقْبَلْهَا، ثم جاء بعده بهديةٍ فَقَبِلَها، وكان وُصِفَ به في التوراة، فأَسْلَم سَلْمَان، ثم أمره أن يُكَاتِبَ سلمانُ مولاه، فَقَبَلَهُ على أن يَغْرِسَ له سَلْمَان نخيلا حتى تُؤكَلَ. فَغَرَسَ له النبيُّ صلى الله عليه وسلّم بيده الكريمة نخيلا غير نخلةٍ، فأَثْمَرَتْ كلُّها غير تلك. ففتش عنها، فعلم أنه غَرَسَهَا عمر. فَغَرَسَهَا ثانيًا بيده الكريمة، فأَثْمَرتْ أيضًا من تلك السنة، فعُتِقَ على ذلك.

وغرضُ البخاريِّ: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلّم لمَّا أمره أن يُكَاتِبَ من اليهوديِّ عَلِمَ أنه قرَّر مِلْكَهُ عليه. وعند أبي داود ما يَدُلُّ على أن النبيَّ صلى الله عليه وسلّم لم يتعرَّض إلى معاملات الجاهلية، وقال: «ما كان من قسم الجاهلية فعلى ما كان، وأمَّا ما أوجده الإِسلامُ، فيكون كما حَكَمَ به».

قوله: ({فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ}) [النحل: ٧١] أي ليسوا بسواءٍ، وذكر الزَّجَّاج: أن الجملةَ الاسميةَ قد تَجِيء لمعنى الإِنكار أيضًا.


(١) قلتُ: وفيه دليلٌ على أن ذُرِّيَّةَ المرتدِّ ليسوا بمرتدِّين، وإلَّا لوَجَبَ قتلهم أيضًا. وقد تكلَّم فيه الشاميُّ في "باب المرتد"، فراجعه.

<<  <  ج: ص:  >  >>