الخِتَانين، فلعل مراد عثمان أنه يتوضأ في الحالة الرَّاهنة ليتخفَّفَ أثرُ الجنابة، ولا يريدُ به نفيَ الغُسْل رأسًا فإنَّه ضروري. وإنما تعرَّض إلى أمر زائد. كيف وقد صحَّ عنه فتوى الغُسْل. ويمكن أن يُحمل على زمانٍ لم يكُن حَصَلَ عليه الإِجماعُ، حتى إذا جَمَعَ عمرُ رضي الله عنه الناس وأعلنَ أنه من يعملُ بعده بحديث:«الماء من الماء» يُعَزِّرْه، فلا يُمكِن أن يقولَ به. ولذا قال الترمذي بعد إخراج حديث الجمهور: وهو قول أكثرِ أهلِ العلم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلّم وعدّ منهم عثمان رضي الله عنه أيضًا، على أن أحمد رحمه الله تعالى كان يعلله، كما في «الفتح».
قوله:(كما يتوضأ للصَّلاة) وهذا يُشير إلى أنَّ للوضوء أقسامًا في ذهن الراوي، ولذا قيَّده وقد ثبت نحو من الوضوء عند الطحاوي عن ابن عمر رضي الله عنهما: وهو وضوءُ مَنْ لم يحدث. وعند مسلم في حديث ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلّم للنَّوم. وهو أيضًا ليس بوضوءٍ تامٍ. وإذا ثبتت أقسامٌ في الوضوء فلا بُعْد أن يكون النبي صلى الله عليه وسلّم التزم لنفسه نوعًا منه لردِّ السلام أيضًا، كما في قصة مهاجر بن قُنْفُذ:«إني كرهت أن أذكر الله إلا على طُهْر» والكلام فيه طويل. وسَيجيء مفصلًا إن شاء الله تعالى.
١٨٠ - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ أَخْبَرَنَا النَّضْرُ قَالَ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنِ الْحَكَمِ عَنْ ذَكْوَانَ أَبِى صَالِحٍ عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَرْسَلَ إِلَى رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ فَجَاءَ وَرَأْسُهُ يَقْطُرُ، فَقَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - «لَعَلَّنَا أَعْجَلْنَاكَ». فَقَالَ نَعَمْ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - «إِذَا أُعْجِلْتَ أَوْ قُحِطْتَ، فَعَلَيْكَ الْوُضُوءُ».
قوله:(قحطت) من القحط صلى الله عليه وسلّم ني نه نكلا وهو مفصلٌ عند مسلم: وهو دليلٌ صريحٌ على أنَّ قوله: «الماء من الماء» كان في اليقظة لا في النوم، كما عن ابن عباس رضي الله عنهما أنَّه في الاحتلام. وقد مرَّ منَّا تأويله في المقدمة.
يعني هل يجوز الاستمداد في الوضوء؟ فأجاز الحنفية الصبَّ ومثله دون الدَّلك، فهذا أيضًا من باب إقامة المراتب، فأجازوا بعضها ومنَعوا عن بعضها. ثمَّ إن النبي صلى الله عليه وسلّم توضأ بعدَه في المُزْدَلفة أيضًا، ولا بأس إذا كان بعد تبدُّل المجلس.