٦٤٨٦ - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مُوسَى بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَنَسٍ - رضى الله عنه - قَالَ قَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - «لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلاً وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا». أطرافه ٩٣، ٥٤٠، ٧٤٩، ٤٦٢١، ٦٣٦٢، ٦٤٦٨، ٧٠٨٩، ٧٠٩٠، ٧٠٩١، ٧٢٩٤، ٧٢٩٥ تحفة ١٦٠٨
٢٨ - باب حُجِبَتِ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ
٦٤٨٧ - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ حَدَّثَنِى مَالِكٌ عَنْ أَبِى الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ «حُجِبَتِ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ، وَحُجِبَتِ الْجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ». تحفة ١٣٨٥١
وفيه شرحان:
الأوَّلُ: أنَّ اللهَ جعل حِجَابُ النار هي الشهواتُ، فهي محجوبةٌ عن أعين النَّاسِ، فلا يَرَوْنَ إلَّا حِجَابَها، وهي الشهواتُ، فيقتحمونها، فإذا اقتحموها يدخلون النَّارَ. على عكس حال الجنة، فإنَّ المرئي منها المكارهُ، فلا يَقْرَبُونَها، مخافةً لها، فَيُحْرَمُون عمَّا كان محجوبًا دونها، وهي الجنةُ. هذا شرحُ الجمهور.
وذهب القاضي أبو بكر بن العربيّ إلى أن النَّارَ بنفسها حِجَابٌ للشهوات، والشهواتُ محجوبةٌ منها، فهم لا يَرَوْنَ إلَّا الشهواتِ. كشبكة الصيَّاد، فإنها تكونُ مستوةً، والحبةُ التي ألقاها للطير باديةً، فإذا قَصَدَ الطيرُ أن يَكْكُلَ الجبةَ يقع في شبكتها قبل وصوله إليها. فهكذا حالُ النَّر والشهوات، فإنَّهم يَرَوْنَ الشهواتِ، دون النار التي حولها، كالشبكة، فلا يمكن لهم الوصولُ إليها إلَّا باقتحام النار، فإذا قَصَدُوا إليها وَقَعُوا في النار، على عكس حال الجنة. فالحديثُ عنده من باب قوله: وقد حِيلَ بين العير والنَّزَوَان، أي وقع الحيلولةُ. فمعنى قولِهِ صلى الله عليه وسلّم «حُجِبت النارُ» عنده، أي وقع الحِجَابُ بالنار.
قلتُ: والظاهرُ عندي أنَّ الشرحَيْن صحيحان، أمَّا شرحُ ابن العربيّ فباعتبار نشأة الدنيا ولا ريبَ أن النَّاسَ في الدنيا يتحمَّلُون المكارهَ، فهم قد دَخَلُوا فيها، والجنةُ خارجةٌ عنها، فهي الآن كالحِفَاف للمكاره. فنسبةُ الجنة والمكاره ما دامت تلك النشألة قائمةً، كنسبة الشَّبكة والحبَّة، فإنَّ الشَّبكةَ تكون خارجةً، والحبَّةَ داخلةً. كذلك حالُ بني آدم الآن، فإنَّهم قد دَخَلُوا في المصائب، وأمَّا إذا قامت القيامةُ، وبلغ الناسُ منازلَهم من الجنة، والنار، يَنْعَكِسُ الحالُ حينئذٍ، فإن الشهواتِ والمكارهَ تصير خارجةً وخِفَافًا، والجنةَ والنارَ التي دخلوها محفوفةً، وحينئذٍ يَظْهَرُ شرحُ الجمهور.
والحاصلُ: أنَّ شرحَ ابن العربيِّ أصوبُ بالنظر إلى الحالة الراهنة، وشرحَ الجمهور أقربُ بالنظر إلى عالم الآخرة. فهما نظران لا غير، وإن كان الأسبقُ إلى الذهن شرحَ