للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أَبْوَابُ سُتْرَةِ المُصَلِّي

٩٠ - باب سُتْرَةُ الإِمَامِ سُتْرَةُ مَنْ خَلْفَهُ

٤٩٣ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ أَقْبَلْتُ رَاكِبًا عَلَى حِمَارٍ أَتَانٍ، وَأَنَا يَوْمَئِذٍ قَدْ نَاهَزْتُ الاِحْتِلَامَ، وَرَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّى بِالنَّاسِ بِمِنًى إِلَى غَيْرِ جِدَارٍ، فَمَرَرْتُ بَيْنَ يَدَىْ بَعْضِ الصَّفِّ، فَنَزَلْتُ وَأَرْسَلْتُ الأَتَانَ تَرْتَعُ، وَدَخَلْتُ فِى الصَّفِّ، فَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ عَلَىَّ أَحَدٌ. أطرافه ٧٦، ٨٦١، ١٨٥٧، ٤٤١٢ - تحفة ٥٨٣٤

وهذا لفظُ حديث أخرجه ابن ماجه وإسناده ساقط، ولذا لم يومىء إلى كونِه حديثًا وهذا من رفعةِ شأنهِ وعلوِّ كَعْبِهِ حيث لا يَلْتَفِت إلى أمثال هذه الأحاديث، وهو مذهبُ الجمهور، ومذهب مالك أَنَّ سُتْرَة الإِمام سترة له خاصة، وهو بنفسهِ سُترة للقومِ، وليست سُترته سُترة للقوم، فلو مَرَّ مار بين الإِمام وسُتْرَتِه فهو غير مارّ أمام القَومِ عنده، لكون الإِمام سُتْرَة لهم.

ثم ليُعْلَم أنَّ هذا الحديث أيضًا يُنْبِىءُ على أَنَّ صلاةَ الجماعةِ صلاة واحدة بالعدد، لا أَنَّها صلوات بعدد مَنْ فيها، ولذا اكتفي فيه بسُتْرَة واحدة، ولو كانت تلك صلوات لاحتاج كُلُّ مَنْ فيها إلى سُتْرَة سترة؟ مع أَنَّ الأحاديث فيها وَرَدَت عامة أعني بدون تَعَرُّض إلى حال الجماعةِ أو الاِنْفِرَادِ، فَهَلا حَملُوها على العموم؟ ولِمَ لم يقووا بوجوب السُّتْرَة لكل؟ وكذلك قوله صلى الله عليه وسلّم «لا صلاةَ إلا بخطبة». فَلِمَ لم يوجبوا الخُطبة على رجل رجل؟ فكان المناسِب لهم أَنْ يَقِيسوا عليه قوله صلى الله عليه وسلّم «لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب؟» وشرحوه بمثله.

والحاصل: أَنَّ الشريعةَ جعلت صلاةَ الجماعةِ نوعًا متغَأَيِرًا لصلاةِ المنفرد، وأقامت لكُلَ منهما بابًا، وحينئذٍ إجراءُ أحكامِ نوع على نوع منازعة بالشَّارع، ورفع صوت فوق صوته وافتيات عليه، ألا تَرَى أنَّه نَهَى عن البيع بما ليس عندك، ثُمَّ أقام للسَّلَم بابًا على حِدَة، فهل يُسَوَّغ لك أن تُخْرِجه من بابه وتُجْرِه تحت أحاديث النَّهي وتقُول بحرمتِه فكذلك صلاة الجماعة أَقَامَ لها صاحب الشَّرع بابًا مستقِلا وساقَ له مثل حديث: «إنَّما جُعِلَ الإِمامُ ليؤتم به» ثُمَّ لَمْ يَأمر فيه بالقِرَاءة للمُقْتَدي مع كونِها رُكْنًا ومع تعرضِه فيه إلى أمور أهون منها، بل صَحَّ فيه «إذا قرأ فأنصتوا»، ولكِنَّ الذين رَسَخَ في بواطِنهم عموم «لا صلاة ... » الخ يُرجِّحون العموم على الخصوص، ويُجرون على نوع غيرَ حكمه، ويخلطون بين الأبواب فلا يأتونَها مِنْ حيث أُمِرُوا بإِتيانِها، نعم، وحبُّك الشيءَ يُعمي ويُصِمُّ، فحال صلاةَ الشافعية كحال بني إسرائيل حيث كانوا منفردين في حال الاجتماع أيضًا، ولم يكن فيها تضمن وصلاتنا مبنية على التضمن كما أخبرَ به النَّبي صلى الله عليه وسلّم «الإِمام ضامن»، وواحدة بالعدد كما أحبَّها النَّبي صلى الله عليه وسلّم على لفظ أبي داود، لقد

<<  <  ج: ص:  >  >>