أعجبني أَنْ تكون صلاة المؤمنين أو المسلمين واحدة فسمعنا وأطعنا، ووضعناه على الرَّأسِ والعين بلا كذب ومَيْن، وراجع لتفصيله رسالتي «فصل الخطاب» وقد مَرَّ البحث.
ثم إنَّ البخاري والبيهقي اختلفا في شرحه، فَذَهَب البخاري إلى إثبات السُّتْرَة، والبيهقي إلى نفيه، وإليه مال الحافظُ رحمه الله.
قلتُ: وما ذَهَب إليه البخاري أرجح وقد بيَّنَّا وجهه في العِلْم.
قوله:(فمن ثم اتخذها الأمراء) ... الخ لأنَّ الإِمام في السلف يكون هو الأمير.
قال الشيخُ ابنُ الهمام رحمه الله: إنَّ السُتْرَة لربط الخَيَال وحَصْرِه، فإِنَّ الإِنسان مجبولٌ على أَنَّ خَيَاله يَنْبَسِط ويَطوف بكلِّ جانب إذا كان في مكان وَسيع، وحيثُ يكونُ المكان ضيقًا يَنْقَبِض هناك، وينقبِض حتى لا يَبْقَى له جَوَلان وتَطْوَاف فيما وراءه، فإِذا أَرَاد الشَّارعُ أن لا يجول خَيَاله بكلِّ جانبٍ وأَن يَمْقُلَ بين يديه كما يَنْبَغي له أمره بالسُّتْرَة لذلك.
قلت: والذي وَضَح لدي أَنَّها لقصر وَصْلَه المناجاة صونًا لها عن القطع، فإِنَّ المُصلِّي يُناجي رَبَّهُ ويواجهه كما أخرج أبو داود عن سَهْل في باب الدنو من السُّتْرَة:«إذا صلَّى أحدُكم إلى سُتْرَة فليدن منها لا يقطع الشيطانُ عليه صلاتَه». فتلك المناجاة والمواجهة قائمة بينه وبين القِبلة ما دام يُصلِّي، فإِنَّ رَبَّهُ بينه وبين القِبْلَة، ولذا حَكَم الشَّرع على المارِّ أَنَّه شيطان لأنَّه مَرَّ بين العبدِ ومولاه، فأَرَاد أَنْ يَحْصُر تلك المواجهة لئلا يَضِيق الطريق على المارين، فَنَهَى المصلِّي أَنْ يُصلِّي في حاقِّ الطريق، وإذا صَلَّى في غَيْرِ الطريق أمره أَنْ يَغْرِزَ سُتْرَة وأَمَر المارَّ أَنْ لا يَمُر بين يَدَي سُتْرَة ولكن يَمُر وراءها، وهدَّده وحذَّره ووعَّدَه، فلو مَرَّ بعد هذه التمهيدات أيضًا لم يكن إلا شَيْطَانًا مَقْصُوده الحيلولة بَيْنَه وبين رَبِّه، وقَطْع تلك الوَصْلَة التي قامت في الصَّلاة وهو عند أبي داود عن أبي سعيد الخُدْرِي مرفوعًا قال:«من استطاع منكم أَنْ لا يَحُول بَينَه وبين قِبْلَته أحد فليفعل». وعلى هذا لا أَتأوَّل في أحاديث القَطْع وأَحْمِلها على ظاهرها.
وأقول: إنَّ المرأةَ والكلب والحمار كلها تقطع الصَّلاة، أي تلك الوَصْلَة، وهذا كما إذا جَرَى بيْنَكَ وبين أَحدٍ محادثة، فلو قَعَدَ رجلٌ في الوسطِ تراه أنَّه قَطَع كلامَك ومحادثَتك فهو أيضًا نوع من القَطْع أيضًا بدون تأويل ولا بُعْدَ فيه، فإِنَّ الشَّرِيعة قد تُخْبِر عن الغائِبات بما تَرَاه ولا نراه فأخبرت بإقامة الوَصْلَة، وكذلك أَخْبرَت بقطْعِها عند المرور، فما لنا أَنْ ننكِره أو نُؤوِّل فيه؛ نعم هذا قَطْعٌ على عُرْفِه وطَرِيقه، وإنْ لم يُسَمِّه الفقهاء قطعًا اصطلاحهم، فإن