أراد أن ينبِّه على جواز الشِّكَاية في أمر الخير المحض إذا احتاج إليه، فإن الصلاةَ خيرُ موضوعٍ، ثم شَكَى فيها رجلٌ، فهل يَجُوزُ ذلك؟ ولولا أن المصنِّف رحمه الله تعالى نبَّه عليه لربما تحيَّرنا فيه، فهو مهمٌ إذن. ومثله فِعْلُ المصنِّف رحمه الله تعالى في منع القارىء. عند قراءة القرآن، هل يَجُوزُ أن يمنعه عن قراءة القرآن؟ واستدلَّ على جوازه بقول النبيِّ صلى الله عليه وسلّم «حَسْبُكَ حين بَلَغَ القارىء إلى قوله تعالى: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ}[النساء: ٤١] إلخ كما سيجيء.
والحاصل: أن الأمرَ إذا كان خيرًا محضًا في طرفٍ يشتدُّ على النفس النهي عنه من طرفٍ آخر، فهدى المصنِّف لمثله: أنه يجوز إذا كان لمعنى صحيحٍ، وفي إسناده قَيْس بن حازم، وقال أحمد رحمه الله تعالى فيه: إنه أفضل التابعين عندي، وقال آخرون: ليس في التابعين أحدٌ رأى العشرة المبشَّرة غيره، ثم مذهبه تَرْك رفع اليدين، كما في «المصنَّف» لابن أبي شَيْبَة، فلو كان الترك معدومًا محضًا، أو حاملا كما قالوا، لَمَا اختاره من كان رَأَى الأجِلَّة من الصحابة رضي الله عنهم.
والحق أن التركَ لا يمكن إعدامه إلى يوم القيامة، وإن جَلَبَوا عليه بخيلهم ورجِلِهم، فإنه من سنة النبيِّ صلى الله عليه وسلّم تحيى إلى يوم الدين إن شاء الله تعالى، ولا ندَّعي أن الرفعَ ليس بسنةٍ أو خاملٍ، ولكن نُبيِّن حَمْلَةَ الخصوم علينا، حيث يريدون أن لا يبقى في الجنة للحنفية موضع.