واعلم أنَّ الفرق بين الأحاديثِ القوليةِ والوقائع الجزئية: أنَّ تقديرَ المقدَّرات يُستبعدُ في النَّحو الأَوَّل. لأنَّ الكلام إذا تَمَّ في مراده فالتقدير زيادةٌ مستغنىً عنها، نعم يَسْهُل تأويلُها أعني به تغييرَ مرادِها بنحوِ اعتبارٍ دون الاحتمالات الخارجية. وأما النحو الثاني فإِنه لا عُسْر في حَمْلها على المحامل فلا يُستبعد فيه إِخراجُ الاحتمالات كما علمت آنفًا في الصلاةِ على سَعْد رضي الله عنه. وكما مرَّ أنَّه صلَّى خمسًا الحديثَ. فإِنَّه يحتمِلُ أن يكونَ جلَس على الرابعة، ويحتمل أن لا يكون جلس. فلمَّا استوى الاحتمالانِ فلو حملناه على الجلوس لم يَبْعُد، كيف وإِنَّه محتمِلٌ أيضًا، بخلاف الأحاديثِ القوليةِ، فإِن إبداءَ الاحتمالاتِ فيها قد يعودُ زيادةً على معناها.
١٣٢٩ - قوله:(جاؤا إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلّم برجلٍ منهم وامرأةٍ زَنَيا) وسيجيء الكلامُ في أنَّ رَجْمهما كان على شريعتِه، أو على شريعةِ موسى عليه السلام. وادَّعى الطحاوي رحمه الله تعالى أنه كان بِحُكْم التوراة. وربما كان النبيُّ صلى الله عليه وسلّم يَحْكُم بالتوراةِ فيما لم يَنْزل فيه شَرْعُه، فإِذا نزلت ترك العملَ بها. ولا يُسمَّى هذا نسخًا.
٦١ - باب مَا يُكْرَهُ مِنِ اتِّخَاذِ الْمَسَاجِدِ عَلَى الْقُبُورِ
١٣٣٠ - قوله:(لَعَن اللَّهُ اليهودَ والنَّصارَى ... ) إلخ. وقد قدَّمنا شَرْحه فيما مَرّ مع بيانِ سَهْو بعض الشارحين سهوًا بينًا. وتمسك به اللعين القادياني دجَّالُ هذه الأمة على وفاةِ عيسى عليه الصلاة السلام. ولم يَدْر أنَّ الأنبياءَ الذين آمَن بهم اليهودُ قد آمَن بهم النَّصارى أيضًا، بل آمنَّا بهم أيضًا، إلا عيسى عليه الصلاة والسلام حيث أنكره اليهودُ والنَّصارَى كلاهما. والباقون كلُّهم مشترِكون فلا دليلَ فيه على كُفْرِه لعنه اللَّهُ وملأَ حضرتَه نارًا.
ثُم لو سلَّمنا ما يتفوَّه به هذا الشقيُّ لوَجَب أن يكونَ على قبرِه مَسْجِدٌ كما يقتضيه الحديثُ ولا يجدهُ ولو رجع إلى بطن أُمِّه، فهو حيُّ على رغمه كما قد أخبره الله سبحانه، وتواتر به رسولُه الكريم. ثُم هذا الآخَرُ الزَّنِيمُ له أقاويلُ في تحقيق قَبْرِه عليه الصلاة والسلام يناقضُ