للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وإسنادُهُ ضعيفٌ. ثم رأيت هذه الحكايةَ في «تاريخ ابنَ معِين»، فإنه ذكرها في أوله وبدأ كتابَه بها.

وأما ثالثًا: فلم لا يجوز أن يكون المرادُ من الغَرَانِيقِ الملائكةَ، ولا سيما إذا وَصَفَهم اللَّهُ تعالى بالأجنحةِ. وكذلك الغُرْنُوق طائرٌ، وحينئذٍ فالملائكة أَشْبَهُ منها بالنسبةِ إلى الأصنام، فأولى أن يكونوا هم المرادين بها، فلما تلاها النبيُّ صلى الله عليه وسلّم وصفًا لهم، حملوه على أنها صِفَةٌ لأَصْنَامِهم. ثم رأيتُ حكايةً في «معجم البلدان» لياقوت الحَمَوي تحت لفظ: اللاّتِ والعُزَّى والمناة، ولم أرَها في غيره، أن وظيفةَ قريش في الجاهلية كانت: والّلاتِ والعُزَّى تلك الغرانيقُ العُلَى ... إلخ.

ومن هنا انكشف مدلول آخَر في قوله: {وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى (٢٠)} [النجم: ٢٠] أيضًا فإنهم تكلَّمُوا فيه حتى كاتب فيه ابنُ المُنَيِّر وابنُ الحاجب، وصَنَّف محمدُ بنُ إسحاق رسالةٌ في ترديد تلك القصَّة التي عند المفسرين. ومحمد بن إسحاق هذا معاصرٌ، للإمام أبي حنيفة رحمه الله تعالى، وضَعَّفَهُ الناسُ، والعجبُ منهم أنَّه إنْ أتَى بالضِّعَاف في باب المغازي جعلوا يُجَرِّحُونه، والدَّارقطني يأتي بالمختلَطات في بابِ الأحكام ثُم يبقى إمامًا، وقد طالع أحمدُ رحمه الله تعالى كُتُبَهُ ومع ذلك لا يرضى عنه.

والحاصل: أنه لا بُعْد في أن يكونَ أحدٌ منهم قرأ تلك على طَوْر وظيفتِهِ عند تلاوة النبيِّ صلى الله عليه وسلّم سورةُ النجم، ثُم وقع النَّاسُ في الغلط، ولا حاجة إلى التزامِ ما التزموه. أما تفسير قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ} [الحج: ٥٢] فسيجيءُ تَحْقِيْقُه على وَجْه ألطف إن شاء الله تعالى (١).

٣ - باب سَجْدَةِ ص

١٠٦٩ - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ وَأَبُو النُّعْمَانِ قَالَا حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ


(١) يقول العبد الضعيف: وهذه القصةُ تدل على وجوب السجود في النجم، لأن الراوي يقول في هذا الشيخ: فرأيتهُ بعد ذلك قُتِل كافرًا، ولو كانت سنة لما بلغ شُؤمه هذا المَبْلغ. وبلغني عن مولانا شيخِ الهند رحمه الله تعالى كلامٌ في سياق تغليطِ القصةِ المذكورة -ما ألطفه- وهو: أن سجودهم لو كان للاتِ والعُزى لاستحقوا بها النكالَ، مع أنها عُدَّت بركةٌ لهم، حتى أنَّ مَنْ لم يسجد لها قُتِل كافرًا عند مسلم. فَدَلَّ على أن تلك السجدةَ لم تكن منهم تعظيمًا لأصنامهم، بل كان اتبَاعًا للنبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وقد حَققَ الشاه ولي الله رحمه الله تعالى أنهم طاوعوه لكونهم مقهورين فيها لسجودِ النبي - صلى الله عليه وسلم -.
قلتُ: وهو على حَدِّ قوله تعالى: {فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا} [طه: ٧٠] أي كأنهم دهشوا من معجزته، وغلِبوا من شوكَتها حتى خرجوا عن طوعهم ولم يبق لهم سبيل إلا إلى السجود، فسجدوا خارين على جباههم قائلين: {آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى} [طه: ٧٠] ويؤيدُهُ ما روى "البزار" بإسنادٍ صحيح عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كتِبت عنده سورة النجم، فلما بلغَ السجدةَ سجد وسجدنا معه، وسجَدتِ الدوَاةُ والقلمُ". وعند الدَّارقطني: "الجن والإنس والشجَر"، فإن التعَرُّضَ إلى سجدةِ الجمادات يَدُل على ندرَةِ نَفيها، فإن سجودها غريبٌ جِدا فذكره لغرابته، وإذن صَرفه إلى السجودِ المعهودِ بَعِيدٌ جدا.

<<  <  ج: ص:  >  >>