ويُروى ذلك عن الحسن، وسعيد بن جُبير. وذهب الجمهورُ إلى جوازِ نزعِ ذلك من الرأس. وبه قال أبو حنيفة، ومالك، والشافعي؛ والحديث حجةٌ لهم، ولو ارتدى القميص لا يضرُّه. اهـ. فأخرج الطحاوي في باب: الرجل يحرم وعليه قميص، من "معاني الآثار" عن جابر بن عبد الله، قال: كنت عند النبي - صلى الله عليه وسلم - جالسًا في المسجد، فقدّ قميصه من جَيبِه، حتى أخرجه من رجليه، فنظر القومُ إلى النبي، فقال: "إني أمرتُ بِبُدني التي بعثتُ بها أن تَقَلَّد اليوم وتشعر على كذا وكذا، فلبستُ قميصي، ونسيتُ، فلم أكن لأخرج قميصي من رأسي"، وكان بعث ببُدْنه، وأقام بالمدينة. قال أبو جعفر: فذهب قوم إلى هذا، فقالوا: لا ينبغي للمحرم أن يخلعه، كما يخلع الحلال قميصه، لأنه إذا فعل ذلك غطى رأسه، وذلك عليه حرام، فأمر بشقه لذلك. وخالفهم في ذلك آخرون، فقالوا: بل ينزعه نزعًا، ثم ذكر الحديث الوارد فيه. ثم توجه إلى بيان النظر فيه، فقال: رأينا المحرم نُهِي عن لُبس القَلَانِس، والعمائم، والبرانس، فنُهي أن يُلبِسَ رأسُه شيئًا، كما نُهي أن يلبس بدنه القميص. ورأينا المحرم لو حمل على رأسه شيئًا، ثيابًا، أو غيرها لم يكن بذلك بأسًا، ولم يدخل ذلك فيما قد نُهي عن تغطية الرأس بالقلانس وما أشبهها، لأنه غير لابس، فكأن النهي إنما وقع من ذلك على تغطية ما يلبسُه الرأس، لا على غير ذلك مما يغطى به. وكذلك الأبدان نُهي عن إلباسِها القميص، ولم ينه عن تجليها بالأزر -ولعله تجللها-، فلما كان ما وقع عليه النهي من هذا في الرأس إنما هو الإِلباس لا التغطية التي ليست بإِلباس، وكان إذا نزع قميصه، فلاقى ذلك رأسه، فليس ذلك بإِلباس منه رأسه شيئًا، إنما ذلك تغطية منه لرأسه. وقد ثبت بما ذكرنا أن النهي عن لُبس القلانس لم يقع على تغطية الرأس، وإنما وقع على إلباس الرأس في حال الإِحرام، ما يلبس في حال الإِحلال، فلما خرج بذلك ما أصاب الرأسَ من القميص المنزوع من حال تغطية الرأس المنهي عنها، ثبت أنه لا بأس بذلك قياسًا، ونظرًا على ما ذكرنا. وهذا قول أبي حنيفة، وأبي يوسف، ومحمد رحمهم الله تعالى اهـ.