وفي بعض الروايات الصحيحة أن هذا السؤال كان في مكة. وفي أخرى أنه كان في المدينة. وعندي كلاهما صحيح. واعلم أن الروح قد يطلق ويراد به المَلَك، قال الله تعالى:{تَنَزَّلُ الْمَلَئِكَةُ وَالرُّوحُ}(القدر: ٤) وقد يُطلق ويقصد به المدبِّر للبدن، أعني الروح المنفوخة في الجسد. وادعى الحافظ ابن القيم رحمه الله أن المرادَ منه في تلك الآية هو المعنى الأول. وأما المعنى الثاني فلم يُذكر في القرآن إلا بلفظ النَّفس. ولم يُستعمل هذا اللفظ في المدبِّر للبدن وإذن سؤالهم عن الملك.
قلت: ولعل المراد منه ههنا هو المعنى الثاني، أي المدبر للبدن، لأن السؤال عنه هو الدائرُ السائر بين الناس. أما الروح بمعنى المَلَك فلا يَعرفونَه غير أهل العلم، فينبغي أن تحملَ الآية على المتعارف وإطلاقه على المدبر البدن ثبت في الأحاديث. روى الحافظ ابن عباس رضي الله عنهما أن الروحِ مخلوقٌ من مخلوقات الله تعالى ... إلخ ونقله السُّهيلي في «الروض» وجعله موقوفًا.
وما كنت أفهمُ مرادَه حتى طالعت كلام السُّهَيْلى رحمه الله فإنه قال: إن نسبة المَلَك إلى الروح كنسبة البشر إلى الملك، فكما أن الملائكة ينظرون إلينا ولا نراهم، كذلك الروح ترى الملائكة ولا يرونها، فتبين أنه ليس مراده كونها مخلوقة لله تعالى فقط فإنه أمر ظاهر، بل المرادُ أنه نوع مستقلٌ مخلوق لله تعالى كالملائكة والإنسان. والفرق بين الروح والنفس لا تجدُ ألطفَ من كلام السُّهيلي، فراجعه. وما ذكره ابن القيم رحمه الله تعالى يبنى على مكاشفات الصوفية.
١٢٥ - قوله:(من أمر ربي) واختلفوا أنهم هل أجيب لهم فيها أم لا؟ فقيل: لا، وقيل: