يَأْمُرَهُمْ أن يَصْعَدُوا هذا الجبلَ، ويَنْزِلُوا منه، فهذا الوجوبُ غير ما يكون في أبواب الفقه، أي الفروع الاجتهادية والمسائل. وهذا معنى قوله:«إنَّما الطاعةُ في المعروف».
وعلى هذا معنى المعصية ما ليس فيه معنًى صحيحٌ، فلا طاعةَ له فيه. وترجمةُ المعروف والمعصية "معقول بات اورنا معقول بات"، لا أُرِيدُ به بيان اللغة، إنما أُرِيدُ به المعنى والمَرْمَى، كما يَتَّضِحُ لمن أَمْعَنَ النظر فيه. ومن ههنا يَظْهَرُ معنى قوله:«لو دَخَلُوها - أي النار بأمر أميرهم - ما خَرَجُوا منها أبدًا»، فإنَّ الأمرَ بدخول النار مما لا معنى له، فلا طاعةَ فيه. فلو كانوا دَخَلُوا فيها، ما خَرَجُوا منها إلى يوم الحشر. وأمَّا بعده فيكون أمرهم حسب أعمالهم، إمَّا إلى الجنَّة أو إلى النار، وهذا معنى الأبد. وهذا يَدُلُّكَ ثانيًا على أن التأبيدَ في قاتل النفس هو التأبيدُ في البَرْزَخِ، دون التأبيد في نار جهنَّم. وهؤلاء لو دَخَلُوهَا لكانوا في حكم قاتلي النفس، فكان حكمُهم حكمَهم.
وجملةُ الأمر فيه: أن الإِمامَ لو أَمَرَ بالكفر البَوَاجِ، يَجِبُ الخروجُ عليه وخَلْعُه عن الإِمارة، وإن عَصَى أو آذى الناسَ يَجِبُ عليهم الصبرُ، وإن أَمَر غيرَه بها لا تَجِبُ طاعتُهُ.
٥ - باب مَنْ لَمْ يَسْأَلِ الإِمَارَةَ أَعَانَهُ اللَّهُ
٧١٤٦ - قوله:(وإذَا حَلَفْتَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَيْتَ غَيْرَهَا) ... إلخ. واعلم أن الخلافَ في تقديم الحِنْث والكفَّارة مشهورةٌ، وأصلُ النظر في أن الأليقَ في اليمين على المعصية هو تقديمُ الحِنْثِ على الكفَّارة، أو تقديمُ الكفَّارة على الحِنْثِ: فذهب بعضُهم إلى أن الأنسبَ أن يَحْنَثَ أوَّلًا، ثم يأتي بالكفَّارة. وذهب آخرون إلى أنه يؤدِّي الكفَّارةَ أوَّلًا، ثم يأتي بالذي هو خيرٌ. وذلك لأن الفقهاءَ يُرَاعون التناسب بين الحكم والوصف، فاختلفت أنظارُهم فيه نظرًا إلى هذا التناسُبِ.